لبنان: نبيه بري يقترح آلية لحل عقدة الوزيرين المسيحيين
الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري يعود من باريس وكل الدروب تقود إلى الانتخابات
عاد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى لبنان، وعلى الفور فعّل رئيس مجلس النواب نبيه بري مشاوراته معه بهدف إعداد صيغة حكومية والذهاب بها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان منح مبادرة بري مهلة أيام قبل اللجوء إلى خطوات تصعيدية. وأشارت المعلومات الى أن الحريري لم يقدّم أي تصور واضح أو كامل لبري خلال لقائهما أمس، وبالتالي هو لا يمتلك صيغة جاهزة لعرضها على عون.في المقابل، اقترح بري آلية لتسمية الوزيرين المسيحيين العالقين، تنص على أن يسمي هو وعون والبطريرك بشارة الراعي مرشحين، على أن يتم التوافق على اسمين من بينهما، ويكون الوزيران محسوبين على الحريري في الشكل، مع ضمانة عدم الاستقالة من الحكومة، وغير محسوبين عليه بالمضمون، أي ليس بالضرورة أن يكونا في فريق عمله أو يوافقان على كل طروحاته ويصوتان معه، كما لا يكونا من فريق عمل جبران باسيل.
واتفق الرئيسان على إرسال هذا المقترح مع صيغة أوّلية إلى حزب الله والتيار الوطني الحرّ، للبحث بها من قبل الوزير السابق علي حسن خليل. وتشير المعلومات إلى أن بري أبدى كل الاستعداد لزيارة رئيس الجمهورية والتفاهم على الصيغة المقترحة لإنجاحها.الحريري، الذي توجه إلى باريس الخميس الفائت، التقى مساء السبت مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، ومسؤولين آخرين مكلفين بالملف اللبناني. ورغم أنه من الواضح أن عون لا يريد الحريري رئيساً للحكومة، ولا الأخير متحمس لتشكيل حكومة إلى جانب عون الذي يتهمه بأنه يريد السطو على الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة، لكن ما بين هذين الرفضين، هناك ضغوط محلية ودولية كبيرة تهدف لإفقاد الطرفين ذرائع التعطيل.وجاءت عودة الحريري غداة تجدد حرب الاتهامات والتسريبات بين فريقي الرئيسين، وكان فريق عون شنّ هجوماً على الحريري بسبب مكوثه في الخارج و"نكثه بالعهود والوعود".أما الحريري فقد عمل على تسريب تشكيلتين حكوميتين أرسلهما عون إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، طالباً منه عرضهما على الحريري لتشكيل الحكومة بناء عليهما.وكان الهدف من التسريب تبرير الحريري رفضه البحث في أي من التشكيلتين، بحجة أن الممارسة التي تطبع سلوك عون تنطوي على تجاوز للدستور والإمعان في ضربه، من خلال الاعتداء على صلاحيات الرئيس المكلف، والذي ينيط به الدستور وحده عملية التشكيل، بينما تنحصر مسؤولية رئيس الجمهورية بالتوقيع على التشكيلة وإصدار مراسيمها، في حين تكون مهمة تثبيتها ومنحها الثقة للمجلس النيابي لا لأحد آخر.ومن شأن هذا التسريب أن يضفي المزيد من الأجواء المتوترة، مما سيؤثر سلباً على مساعي بري، الذي كان تلقى أول خيبة من الحريري الذي تخلف عن الموعد الذي ضربه له للعودة إلى البلاد.وشهدت الأيام الماضية هجوماً مركّزاً على الحريري من فريق عون، الذي يعتبر أن الرئيس المكلف خسر دعم الفرنسيين قبل فترة وغطاء البطريرك الراعي بعد إخلافه بوعده إياه بإعداد تشكيلة حكومية وتسليمها لعون، لكنه غادر لبنان من دون القيام بذلك.بالتالي لم يعد لدى الحريري من داعم سوى بري، الذي لن يكون قادراً على المضي بنفس الأسلوب إذا لم يقم الرئيس الملكف بأي مبادرة. إلا أن المعلومات تشير إلى أن الحريري يستعد للقيام بهجوم مضاد على عون، من خلال حملة سياسية وإعلامية ودستورية مركزة، يفترض أن يواكبها خلال وجوده في لبنان.وهكذا أصبحت كل الأجواء الإيجابية، التي سرت منذ أيام، قابلةً للتبدد في لحظة واحدة، فمنسوب التفاؤل بدأ بالتراجع، على وقع المقاربة الواقعية للمعطيات المتوافرة، وهي أن عون لا يريد الحريري، والأخير لا يريد تشكيل حكومة في هذه الظروف من دون غطاء دولي واضح، خصوصاً أن لبنان مقبل على المزيد من الأزمات المالية والاقتصادية، التي ستنفجر بوجهه.ثانياً، وهو الأهم، أن كل التركيز أصبح من الآن فصاعداً يصب باتجاه الانتخابات النيابية، وكل طرف يسعى إلى كسب تعاطف بيئته وجمهوره باعتماد الخطاب المتشنج لشد العصب، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الاستعداد للانتخابات يتنافى مع أبسط شروط الإصلاح الاقتصادي، لأن أي حكومة ستُشكل ستكون ذات معايير انتخابية، وسيكون أمامها مهمة محددة، وهي تنظيم وإجراء الاقتراع.في الوقت نفسه، لم يحصل أي تطور على الصعيد الإقليمي والدولي يدفع باتجاه تغيير الوقائع على الأرض، وإذا كان هناك من رهان على المفاوضات الحاصلة في بغداد أو فيينا، فكلها أصبحت مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، علماً أن لبنان لم يتأثر بانطلاق أي من هذه المفاوضات.وبناء على ذلك، تستبعد مصادر متابعة إمكانية الوصول إلى توافق حول تشكيل الحكومة، رغم عودة الحريري، ومواكبة التطورات عن قرب من خلال التواصل مع بري والبطريرك الراعي، وصولاً إلى حدّ العمل على إعداد تشكيلة حكومية والذهاب بها إلى بعبدا، لعرضها على رئيس الجمهورية، تشكيلة يصر الحريري فيها على أن يسمي وزيراً مسيحياً، ويتوافق على آخر مع رئيس الجمهورية، وهو أمر يرفضه الأخير، الذي يتمسك بالحصول على وزارة الداخلية وسط معارضة حريرية.في هذه الأثناء، فإن برّي سيستمر بتحركاته، وقد يلتقي رئيس الجمهورية الأسبوع المقبل، في سبيل تذليل العقبات، وتشير مصادر قريبة من رئيس المجلس إلى أن هذه المساعي المبذولة حالياً هي الفرصة الأخيرة لتشكيل الحكومة، والتي إن لم تتشكل فسيكون لبنان أمام اتساع رقعة الأزمة السياسية والمالية والاقتصادية، بانتظار استحقاقات إقليمية ودولية، أولها الانتخابات الإيرانية وتداعياتها، وثانيها الانتخابات النيابية في لبنان، والتي قد تفترض التطورات فيما بعد الذهاب إلى تشكيل حكومة انتخابات لإدارة العملية الانتخابية من وزراء مستقلين وغير مرشحين لخوض غمار المعركة الانتخابية.أما على ضفة رئيس الجمهورية، فهناك بحث خيارات أخرى في حال فشلت مساعي برّي، قد تصل إلى حدود التهديد بالاستقالة من المجلس النيابي.وفي موازاة هذا الحراك، الذي يبدو التفاؤل بشأنه ضئيلاً جداً، والرؤية الأبعد أنه حتى لو تشكلت الحكومة فلن تكون قادرة على مواكبة الأزمات، برز تحرك البابا فرنسيس تجاه لبنان، من خلال الإعلان عن لقاء مع ممثلين للمجتمع المسيحي. وبحسب المعلومات، فإن الفاتيكان حدد موعد الأول من يوليو للقاء رجال دين من مختلف الطوائف المسيحية لبحث الملف اللبناني. وتعتبر دوائر الفاتيكان أن لبنان يواجه أزمة وجودية، وأنه لا بد من الحفاظ على المسيحيين ووجودهم ودورهم. لم يحدد الفاتيكان مواعيد لمسؤولين سياسيين، إنما لرجال دين ورؤساء مؤسسات تربوية وغيرها تابعة للكنائس من مختلف المذاهب. وتكشف مصادر متابعة، أن شخصيات سياسية متعددة طلبت مواعيد للقاء البابا لكن حتى الآن لم يتم تحديد أي موعد لها.