على خطى هايدي عبداللطيف بسبر أغوار حياة الكاتب الأميركي أرنست همنغواي، وهو الكتاب الذي أصدرته الكاتبة من "دار آفاق" بالقاهرة مؤخرا، أقدم السفير الكويتي لدى كوبا محمد فاضل خلف على خطوة مماثلة لكن "بدبلوماسية ناعمة"، استطاع فيها الدخول إلى الغرف الخاصة، وهو ما لم يكن مسموحا به، فقد اصطحبته دليلة سياحية كوبية إلى الغرف الداخلية وغرف النوم، وتنقل بين مكتبته العامرة التي جمعت ذخائر الأدب العالمي ومازالت كما هي دون أن يلمسها أحد، والتحف التي جمعها و"الحيوانات المحنطة" التي اصطادها في أفريقيا، ومقبرة الكلاب التي تحدث عنها في رواياته، ومنها رواية "العجوز والبحر".

أما الروائية هايدي عبداللطيف فقد خاضت تجربة جديدة بالتعرف عليها وقراءتها، وكانت دعوة للتعرف ليس فقط على مدينة هافانا حيث عاش همنغواي، ومظاهر خصوصيتها وحياة أهلها، بل حاولت أن تظهر للقراء كيف هي كوبا في عيني الكاتب الأميركي الشهير، الذي ارتبط بها وعاش فيها لمدة طويلة، واشترى بيتا أقام به يعد من أبرز المراكز السياحية في كوبا، وكذلك مظاهر ارتباط أهل كوبا باسم همنغواي.

Ad

حاولت كما تشير ‏إلى استكشاف خفايا حياته، وتسليط الضوء عليها للقارئ العربي، داعية إياه إلى أن يسير معها في ‏شوارع هافانا وأزقتها، يتذوق أطباقها ومشروباتها وموسيقاها، كما فعل الأديب الشهير، محاولة نقل سحر المكان الذي أنتج "العجوز والبحر" وروايات أخرى، ‏وكذلك في بيته نتعرف على عاداته اليومية في الكتابة، والقراءة، حيث يمتلئ كل مكان بالكتب.

وإضافة لما قدمه الكتاب الصادر عن دار آفاق في القاهرة من محاولات للتعرف على المناخ الثقافي الكوبي، وأبرز الكتاب والفنانين الكوبيين الذين جمعت بينهم وبين همنغواي علاقات صداقة، فقد أولت الكاتبة الاهتمام للبحث عن والتعريف بأبرز الشخصيات التي ألهمته، وبينها شخصية الصياد في قصة العجوز والبحر، وتتبعت روتين حياته اليومي سواء في الكتابة، أو في المقاهي والحانات التي كان يتردد عليها، وكذلك الفندق الشهير الذي أقام فيه عند وصوله لكوبا أول مرة، والذي أصبح الفندق المفضل له، حتى استقر في المدينة.

وتقول: "تحمل الغرفة التي كان يقيم فيها في فندق أمبوس موندوس الرقم 511، وهذا الفندق تأسس في 1924، وفي 1997 حولت إدارته تلك الغرفة إلى متحف صغير يخلد ذكرى إقامة صاحب "العجوز والبحر" فيها. الغرفة تقع في الطابق الخامس، وعلى الحائط المواجه للمصعد كتب "في هذه الغرفة أقام الروائي إرنست همنغواي خلال عقد الثلاثينيات".

وتحاول أن تتأمل الأسباب التي دفعت همنغواي ليختار الإقامة في كوبا، وكذلك بالسؤال عن أسباب إقدامه على الانتحار على الرغم من أنه كان يتمتع بحياة مرفهة في بيته في فينكا بيهيا (معناها مزرعة المطل أو نقطة المراقبة) التي تبعد نحو 24 كيلومتراً جنوب شرق هافانا في ضاحية سان فرانسيسكو دي باولا. يقع البيت أعلى تلة تتوسط حديقة مساحتها نحو 13 فداناً من النخيل وأشجار المانجو والموز والنباتات الاستوائية، وتاريخ بنائه يعود إلى 1886، واستأجره لفترة ثم اشتراه في 1940.

وتزور الكاتبة المرسى الذي كان ينطلق منه الكاتب الأميركي للصيد بقاربه بيلار، الموجود الآن بين مقتنياته في كوبا، فقد كان شغوفا بصيد الأسماك، وله دراية كبيرة في هذا المجال بين مجالات اهتماماته العديدة، مثل رحلات السفاري للقنص والصيد، وغيرها.

يشعر القارئ بأنه زار كوبا بفضل الوصف الدقيق: الشوارع والعربات القديمة، بائعات الورد، الرقص والموسيقى في كل مكان، ولأهل كوبا وسكانها الطيبين والأغنياء بمشاعرهم رغم الفقر، المحبة الباقية لهمنغواي رغم مرور السنوات، مازال البعض يطلق عليه لقب "بابا"، حتى الأشياء التي يصفها الكتاب، تبدو وكأنها في انتظار الرجل، حافظوا في كوبا على كل شيء في بيته، وتم ترميمه بالتعاون بين كوبا والولايات المتحدة، وهناك أكثر من تمثال لهمنغواي، بل إن الصيادين البسطاء تبرعوا بقطع الحديد في مراكبهم، لصنع تمثال للأديب الأميركي، بعد حادث انتحاره الذي أصابهم بالصدمة.

حمزة عليان