نقطة: أهلاً يا دكتور
لا حديث هذه الأيام إلّا ويمرّ عبر بوابة الفوز التاريخي للدكتور عبيد الوسمي في الانتخابات وبداية نشاطه البرلماني وانتظار المعجزات.وبنبرة لا تخلو من مبالغات رومانسية عن تسامي الناخبين والسياسيين فوق خلافاتهم واختلافاتهم الجينية والمذهبية والفكرية، وكسرهم للالتزام القبلي، ورغم أن ذلك التصويت يبدو ثأرياً وتنفيسياً أكثر من كونه معبّراً عن موقف ثابت من مسألة الجينات، فإنّه لا بأس بذلك كبداية للتغيير، فالحِلم بالتحلّم، ولعل هذا التصنع يصبح مع مرور الوقت والممارسة عادة راسخة ووعياً متجذراً يعبر فوق مخلّفات الزمن، والفضل في ذلك يجب إرجاعه لمن أسقط قطعة الدومينو الأولى، وهو السيد أحمد الشحومي، حين انتصر لحكم القانون على حساب رابطة الدم، مما مهّد بدوره لما جرى لاحقاً.وإذا كانت هناك رسالة لمثل هذا التصويت موجّهة للأعلى، فهناك رسائل أخرى لا تقلّ عنها أهمية موجهة للنواب والسياسيين، أولها ضرورة قراءة مثل هذا التطور والتغيير لدى جمهور الناخبين، ومن ثم العمل على تعزيزه وترسيخه، والابتعاد في المقابل عن استغلال القبلية والمذهبية عند ممارستهم عملهم السياسي ودورهم النيابي، وخصوصاً عند استخدامهم أدواتهم الدستورية من مساءلات واستجوابات ومنح الثقة وإسقاطها، وكي يستطيعوا مواكبة شارعهم وناخبيهم، ولو بالقليل.
والرسالة الأخرى الأكثر أهمية هي أن الخطاب الإسلامي والإسلامويين ليسوا بهذه القوة المتخيّلة في الشارع الكويتي عموماً، والقبلي في حالتنا، إذا ما وجد بديلاً ذا خطاب قوي ومقنع يستطيع مواجهتهم بصلابة.أقسَمَ الدكتور عبيد، وأعانه الله على ما سيلقاه، فهو حين كان يلعب في مجلس المحترفين والمخضرمين كان يعاني الفجوة الفكرية وانعدام اللغة المشتركة، فما بالك اليوم مع نجوم الصف الثالث والاحتياطيين؟لكننا نأمل، لعل الدكتور العزيز يستطيع تجاوز الصغائر ويرى الصورة الأكبر، ويتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فنحن نفهم ونقدّر أن السياسة قد يخالطها بعض الشغف، فتكون السفاهة في بعض الحالات عرَضاً جانبياً طبيعياً عند تبادل الآراء السياسية، نتيجة للانفعال أو النزوة الاستعراضية لدى البعض، لكن المهم هو أن يكون هناك رأي أساساً يملك مقومات اعتباره رأياً قابلاً للمناقشة والجدل، بل والتسفيه، وليس مجرد صراخ ناجم عن فراغ فكري وسياسي يعوّض بافتعال المشاكل والأزمات. وهنا قد يبرز دور د. عبيد في الدفع بالعمل البرلماني نحو العقلنة والارتقاء بلغة الحوار، بدلاً من الشخصنة و"الزعرنة" أحياناً، وإعادة بعض الزملاء ممن سيحاولون جرّه لمعاركهم ولغتهم الخاصة، للمشي على الأرض مع بقية البشر وإنقاذهم من دوامة احتكار الصواب السياسي وامتلاك الحقيقة المطلقة وتقديس الذات، إلّا أنه وفي نفس الوقت قد تكون تلك هي ذاتها أكبر العقبات التي سيواجهها الدكتور خريج أرقى الجامعات؛ سواء بالتفاهم مع الحكومة المترددة من جهة أو مع أكبر كتلة في تاريخ المجالس النيابية من العسكريين والشهادات المضروبة والعملاء المزدوجين من جهة أخرى، أو مع مَن لا يرونه سوى كاسحة مؤقتة للألغام تمهّد طريق مشاريعهم المأمولة، ناهيك عن النيران الصديقة، وحينها قد تصبح مشكلة "رسم البطة" واصطياد القفشات آخر هموم الدكتور، حين يسعى إلى التعاون مع مَن لا يعرفون الفرق بين "البطة" و"الجنطة" و"الأونطة".الله يعينك.