وثيقة لها تاريخ: لودوفيكو واصفاً دمشق عام 1510: لا يمكن وصف جمالها... ونساؤها يرتدين الحرير والحليّ
استعرضت في مقال سابق مقدمة حول كتاب "يوميات لودوفيكو دي فارتيما البولوني"، التي صدرت في عام 1510م، والتي تضمنت مشاهداته وتعليقاته عندما زار الكثير من المناطق العربية وغير العربية. هذا الرحالة، كغيره من المستكشفين والمستشرقين والجواسيس الغربيين، لم يكن على علم صحيح بالدين الإسلامي ولا بالمجتمع العربي، وهو ما نستشفه من تعليقاته. على سبيل المثال، أشار في عدة مواقع إلى أن المسلمين "وثنيون"، وهو أمر غير صحيح، فالمسلمون يؤمنون بالله تعالى ويوحدونه في العبادة. وفي مواقع أخرى، تحدَّث عن سلوك المسلم العربي، ووصفه بالوحشي واللاإنساني والمتخلف، وهو أمر لا يمكن التسليم به أو تعميمه على الجميع، كما لا يجوز أن نشير إلى حادثة واحدة، ونجعلها العادة والصفة العامة للجميع.
عموماً، رغم أهمية رحلات لودوفيكو، الذي يُعد أول أوروبي يتمكن من دخول مكة والمدينة بموسم الحج، وفي وقت مبكر جداً من الزمن، فإنها تعكس مدى الجهل الذي كان يلف القارة الأوروبية فيما يتعلق بعرب الجزيرة ودينهم الإسلام. ومع كل ذلك، ورد في يوميات لودوفيكو بعض التعليقات الجميلة والمهمة، سأنقل لكم منها ما يلي:• في بداية حديثه عن دمشق يقول: "إنه ليس بالممكن حقيقة أن أصف جمال دمشق وتميزها، هذه المدينة التي مكثت بها بضعة أشهر لأتعلم اللغة العربية....، ففيها تجد وفرة هائلة من المنتجات واللحوم، والمدينة بأكملها مليئة بالفاكهة التي لم أرَ مثيلاً لها قبلاً، وبالأخص العنب الطازج المتوفر في كل المواسم".• وعلَّق على إحدى مشاهداته بالقول: "وفي دمشق جبن طازج وطيّب متوفر بكثرة، وإذا أردت أن تشتري حليباً طازجاً، فهناك أربعون أو خمسون من الماعز تمر مع راعيها عبر شوارع المدينة في الصباح، ويقوم الراعي بجلب بعض الماعز إلى غرفتك، ولو كنت تسكن في الطابق الثالث، ثم يحلبها أمامك، ويضع الحليب في إناء جميل".• أما عن منازل وبيوت دمشق، فقد ورد في اليوميات أن أكثر منازل دمشق يوجد بها "نوافير جميلة مغطاة بالفسيفساء"، وأن المنازل جميلة جداً، وتكثر فيها أحجار المرمر والرخام الملون، إلا أن الأحياء والسكك والممرات بين المنازل تعمها القذارة، طبقاً لقوله.• ووصف لودوفيكو ملابس النساء في دمشق، فقال: "إن نساء دمشق يمشين في الشوارع وقد لبسن أثواباً حريرية جميلة فوقها عباءات صوفية بيضاء رقيقة ولامعة كأنها حرير، كما أنهن جميعاً يلبسن نِعلاً بيضاء أو أحذية حمراء أو وردية، ويضعن الكثير من الحليّ حول معاصمهن ورؤوسهن وفي آذانهن".• لكنه يعكس جهله بالدين الإسلامي، إذ يقول: "وعندما تتزوج الواحدة منهن، ولا يكون ذلك إلا برغبتهن وموافقتهن، فإنها لا ترغب في البقاء مع زوجها مدة طويلة، لذلك فإنها تطلب من القاضي أن يطلقها، وبعد ذلك تتزوج برجل آخر". وللأسف، لم يجتهد الرحالة الغربي في معرفة أنه رغم أن الطلاق حلال في الإسلام، لكنه مقيد بشروط وضوابط وحقوق، وأنه استثناء وليس قاعدة عامة لكل المسلمين. في المقال المقبل، إن شاء الله، نُكمل الحديث حول يوميات لودوفيكو التاريخية.