فرنسا: اندفاعة لوبن تُحيي الجدل حول «الجبهة الجمهورية»
قبل 20 يوماً من الدورة الأولى من انتخابات الأقاليم في فرنسا تشير استطلاعات الرأي إلى اندفاعة لحزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبن، الذي يتصدّر التوقعات في مناطق عدة، مما يحيي النقاش حول متانة «الجبهة الجمهورية» التي شكّلتها أحزاب متنافسه لمنعه من الفوز عام 2015.ويطلق اسم «التجمع الجمهوري» على تجمُّع أحزاب من اليمين واليسار يتشكّل خلال انتخابات لمنع فوز «التجمع الوطني»، كما حصل خصوصاً في الانتخابات الرئاسية عام 2002 وبشكل محدود أكثر عام 2017، على غرار العديد من الانتخابات التشريعية والمحلية.وكما في الانتخابات السابقة في ديسمبر 2015، تشير استطلاعات الرأي إلى تصدّر مرشحي «التجمع الوطني» الدورة الأولى في كل من بروفانس ألب كوت دازور (جنوب)، وأوكسيتاني (جنوب غرب) وسنتر فال دو لوار وبورغونيه فرانش كونتيه (جنوب شرق) وغراند إيست ونوفيل أكيتين (جنوب غرب)، ولو أن الحزب لم يكن حتى الآن رسّخ وجوده كثيراً في المقاطعة الأخيرة.
ومع اقتراب الانتخابات التي تجري في 20 و27 الجاري، يُحرز «التجمع الوطني» تقدماً أيضاً في المنطقة الباريسية حيث يُعزّز المسؤول الثاني فيه جوردان بارديلا (25 عاماً) موقعه في المرتبة الثانية جامعاً نحو 20 في المئة من نوايا الأصوات، ولكن بفارق كبير خلف رئيسة مجلس منطقة إيل دو فرانس المنتهية ولايتها فاليري بيكريس من وسط اليمين.وأوضح الخبير السياسي جان إيف كامو أن «ثمة ديناميكية في الدورة الأولى استفادت حتماً من أحداث الأيام الأخيرة»، في إشارة إلى سلسلة الهجمات على عناصر من قوات الأمن.فهل تسمح هذه الاندفاعة لحزب لوبن بأن يحقق الفوز هذه السنة، بعد ما فشل في الدورة الثانية من انتخابات 2015 في فرض نفسه في أي من المناطق التي تصدّرها في الدورة الأولى؟ يتوقف الأمر على متانة «الجبهة الجمهورية» التي وقفت حاجزاً بوجهه قبل 6 سنوات، فقطعت عليه الطريق بفضل تنازل اليسار في منطقتي أو دو فرانس وبروفانس ألب كوت دازور حيث حققت لوبن وابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبن على التوالي تقدّماً مريحاً في الدورة الأولى. وعلق كامو: «بالطبع، المفتاح سيكون نسبة الناخبين اليساريين الذين سيختارون الامتناع عن التصويت، ونسبة الناخبين اليمينيين الذين سيقبلون بتحويل أصواتهم من حزب الجمهوريين (يمين) إلى مرشح التجمع الوطني»، معتبراً أن «الحاجز في وجه التجمع الوطني يتفتت شيئاً فشيئاً».وأكد استطلاع للرأي أجراه معهد «يوغوف» لحساب «هافينغتون بوست» هذا التردد، إذ أظهر أمس الأول، أن غالبية الفرنسيين (63 في المئة) تعتبر أن بإمكان «التجمع الوطني» الفوز بمنطقة أو أكثر.ولا تنجح «الجبهة الجمهورية» في استقطاب 60 في المئة من أنصار «الجمهوريين»، الذين يرفضون التحالف مع حزب «الجمهورية إلى الأمام» الوسطي الحاكم من أجل «تشكيل حاجز» بوجه اليمين المتطرف، بل إن 50 في المئة منهم يؤيدون بالأحرى التحالف مع «التجمع الوطني» من أجل «هزم الجمهورية إلى الأمام» بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون. أما في صفوف اليسار، فإن 14 في المئة فقط من الناخبين يؤيدون التنازل عن الأصوات لليمين كما في عام 2015. وإزاء احتمال وقوع منطقة أو أكثر في قبضة «التجمع الوطني» قبل أقل من عام من الانتخابات الرئاسية، وجهت رئيسة بلدية باريس الاشتراكية آن إيدالغو نداء إلى «الجبهة الجمهورية» تناشدها قطع الطريق على اليمين المتطرف كما في الانتخابات السابقة.وقال النائب الأوروبي من «الجمهورية إلى الأمام» ستيفان سيغورنيه: «لا يسعني القول، إن الجبهة الجمهورية ماتت، لكنها شبه ميتة».وفي صفوف «التجمع الوطني»، يعتبر مرشحه في بروفانس ألب كوت دازور تييري مارياني الآتي من اليمين المحافظ، أن الجبهة الجمهورية «لم تعد موجودة»، مؤكداً «أنها خطوة أخيرة تقوم بها أحزاب تواجه اليوم معارضة متزايدة وتريد منع سكان أوكسيتاني أو بروفانس- ألب- كوت دازور من فرض آرائهم». وتتخذ المسألة بعداً إضافياً على ضوء الانتخابات الرئاسية عام 2022. من ناحيتها، تقول الكاتبة رقية ديالو بصحيفة «واشنطن بوست»، إن اليمين المتطرّف نجح في فرض شروطه على النقاش العام في فرنسا بسبب سعي الأحزاب الأخرى لمواءمة نفسها مع الخطاب «المتطرف» من أجل الكسب في انتخابات العام المقبل. وأوردت ديالو كثيرا من الأمثلة، في مقالها، على «تنازل الأحزاب التي تدّعي محاربة الأفكار الشائنة لليمين المتطرف».وقالت إن «هذه الأحزاب في نهاية المطاف لن تكسب بمواءمة نفسها مع خطاب لا يشترك في شيء مع مبادئ المساواة التي دافعت عنها تاريخيا»، مضيفة أن «جان ماري لوبن، مؤسس وزعيم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة (التجمع الوطني)، قال قبل عقود إن الناخبين يفضّلون دائما النسخة الأصلية على النسخة المقلدة».