أصبح لبنان على مشارف الارتطام الكبير. وفي إنذار يشير إلى أن ما سيأتي على البلاد، في الأيام المقبلة، بالغ السواد والسوء، خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي يعيش حالة أرق من عدم تشكيل حكومة جديدة، لينفض يده مجدداً من المسؤولية في هذا التوقيت الحساس، بعد أن انفجرت بوجهه كل الأزمات.

جاء موقف دياب بعد فشل كل محاولات تشكيل حكومة جديدة، بسبب الصراعات القائمة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وآخرها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

Ad

ولا يملك رئيس الجمهورية قوة داعمة غير «حزب الله»، ولا أحد يدعم الحريري غير بري، الذي فوض إليه الحزب حلّ الأزمة، مما دفع مسؤولاً سياسياً للقول: «الطرفان المتقاتلان يستندان إلى دعم حزب الله، وهذا يعني أنه لو أراد حسم المشكلة لنجح في ذلك وتشكلت حكومة بسرعة».

أما «حزب الله» فهو يحاول أن يتجنب إغضاب عون أو خسارة الحريري، وهو لا يريد الغوص في تفاصيل الأزمة الحكومية، ويفضل عدم التدخل في هذا النوع من المعارك.

كل هذا يعني أن الأبواب ستبقى مفتوحة على عواصف كثيرة بغطاء مذهبي وطائفي، على قاعدة شد العصب، تحضيراً للانتخابات النيابية، ولذلك من الطبيعي أن يواصل منسوب التوتر السياسي الارتفاع، على وقع أزمات مالية واقتصادية متراكمة قد تؤدي إلى حصول فوضى لا يمكن لأحد السيطرة عليها، على شاكلة ما جرى في بيروت ليل الأربعاء- الخميس من هجمات على المصارف، بسبب وقف العمل بتعميم يسمح بسحب الدولار على سعر 3900 ليرة وإعادته إلى سعر 1500، رغم أن عون أعاد أمس العمل بالتعميم.

في هذه الأثناء، يحضّر الرئيس اللبناني سلسلة خطوات ضد الحريري، وصولاً إلى الاتهامات بالفساد وفتح ملفات قضائية، بينما الحريري يفكر جدياً في الاعتذار والاستقالة من المجلس النيابي، وقد عقد سلسلة اجتماعات للبحث بهاتين الفكرتين، لكنه لم يتخذ قراره النهائي بعد.

وكان الحريري قطع الطريق على إمكانية دعوة عون لحوار وطني بهدف إحراجه، برفضه المشاركة، في وقت تدخل «حزب الله»، الذي لا يحبذ على الإطلاق فكرة إجراء الانتخابات النيابية المبكرة، لدى رئيس تكتل «لبنان القوي» جبران باسيل، لطي صفحة تهديداته بالاستقالة من المجلس النيابي بهدف إسقاط تكليف الحريري.

كما فشل حراك البطريرك الماروني بشارة الراعي على خطّ التسوية، ورفض الحريري بشكل قاطع اقتراحه بتشكيل حكومة أقطاب، لأنه يرى فيه بطاقة عودة لباسيل إلى الحكومة كرئيس أكبر تكتل نيابي.

من ناحيته، أطفأ بري محركاته بانتظار أن تهدأ النفوس، لكنه في غاية التشاؤم بعد فشل محاولته الأخيرة.

هذا الاستعصاء تحول إلى يأس في كل دوائر القرار الدولية من التعاطي في لبنان، مع عدم الاهتمام على الإطلاق بكل هذه التفاصيل، والبحث عن كيفية توفير مساعدات غذائية للبنانيين، لأن الأزمة الاقتصادية التي وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من الأعنف منذ منتصف القرن التاسع، ستستفحل.

في الوقت نفسه، تتجه الأنظار الدولية نحو الانتخابات النيابية مع بدء الهمس الدولي بضرورة تشكيل حكومة انتخابات، خصوصاً أن أي حكومة ستشكل حالياً لن تكون قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية.

هذه الوقائع كلها تخضع لدراسات في دوائر القرار، وسط معطيات تفيد بأن الجمود السياسي سيطول بانتظار تطورات الوضع في المنطقة، وما يمكن أن يحدث بعد الانتخابات الإيرانية، وبعد التوصل إلى اتفاق يحيي صفقة 2015 النووية، وكل ذلك يمكن أن يؤدي إلى اتفاق على تشكيل حكومة انتخابات في الخريف المقبل، تعمل على تنظيم وإدارة عملية الاقتراع.

كما تتجه الأنظار إلى بكركي، التي يتوقع أن تشهد قمة إسلامية-مسيحية بدعوة من البطريركية المارونية، لوضع الخطوط العريضة بين القوى والطوائف اللبنانية، تسبق اللقاء المسيحي المقرر في يوليو بالفاتيكان، والذي يهدف إلى حماية الكيان اللبناني ومنعه من الذوبان.