أصبح لبنان متروكاً لحلول تأتيه من الخارج، بعد أن بات الداخل معطّلاً ومعلّقاً على حبال الحسابات الشخصية والتطورات الإقليمية.

دولياً، فُقدت الثقة بالطبقة السياسية، بعد فشل متكرر في إنتاج تسوية وتشكيل حكومة تعمل على معالجة الأزمة. وحالياً، ينعكس الاهتمام الدولي على ثلاثة مرتكزات أساسية: أولاً الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، وثانياً الجمعيات غير الربحية التابعة للمجتمع المدني ولديها ارتباط خارجي، إذ ستلعب دوراً أساسياً في الإشراف على توزيع المساعدات الغذائية والإنسانية والطبية، في ظل الأوضاع الاقتصادية المأسوية التي تعيشها البلاد، وثالثاً النشاط الذي سيضطلع به الفاتيكان في شهر يوليو المقبل من خلال دعوة رجال الدين المسيحيين من مختلف الطوائف لعقد لقاء مع البابا فرنسيس لبحث الأزمة اللبنانية، والحفاظ على الكيان اللبناني والدستور، في مواجهة عواصف التحولات الإقليمية والدولية والداخلية، التي قد تؤدي إلى القضاء على جوهر وجود لبنان.

Ad

تؤشر هذه الاهتمامات إلى حجم الأزمة التي بلغها لبنان، في ظل غياب القدرة لدى أي طرف على سلوك طريق الخروج من المأزق الكبير.

وإلى جانب المعركة السياسية المفتوحة على خلفية تشكيل الحكومة، هناك معركة أخرى مفتوحة تمس الأمن الاجتماعي للمواطنين، هذه المعركة تدور بين المصرف المركزي من جهة، وجمعية المصارف من جهة أخرى، والقوى السياسية والمجلس النيابي من جهة ثالثة، إذ تتقاذف الأطراف الثلاثة المسؤوليات حول أموال المودعين وكيفية تسليمها لأصحابها.

وترفض المصارف إعادة الودائع لأنها غير قادرة على توفير الأموال بالدولار، وحساباتها الخارجية تحت الصفر، بينما يرفض مصرف لبنان الاستمرار في توفير الدعم للمواد الأساسية، لعدم المساس بالاحتياطي الإلزامي، وهو يطالب المجلس النيابي بإقرار قانون «الكابيتال كونترول».

كل هذه التفاصيل ستكون عناوين للمزيد من المشاكل، بينما هموم اللبنانيين في مكان آخر، وهو توفير حد أدنى من متطلبات العيش الكريم، في مواجهة أزمة مالية ستعصف بكل مقومات الحياة على أبواب الصيف ولهيبه، والذي يبدأ بأزمة انقطاع التيار الكهربائي وتقنين المولدات بسبب شح المحروقات.

لا تبدو الاهتمامات الخارجية بعيدة عن هذه التفاصيل اليومية للبنانيين، لأن الحرص الدولي يرتكز من خلال الحفاظ على الاستقرار في لبنان ومنعه من التدهور أكثر، وهذا ما تحاول دول أوروبية تفاديه خوفاً من موجات تسرب بشرية جديدة عبر البحر الأبيض المتوسط باتجاه أراضيها بطريقة غير شرعية.

لذلك يتركز الاهتمام على الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى، للحفاظ على الاستقرار ومنع حصول عمليات هجرة سرية، من خلال مراقبة حثيثة لحركة البحر، وهذا ما ركزت عليه الولايات المتحدة، التي رفعت قيمة المساعدات للجيش اللبناني من 105 ملايين دولار إلى 120، أي بزيادة 15 مليوناً مخصصة لزوارق بحرية مهمتها مراقبة البحر لمنع الهجرة.

هذا الملف كان حاضراً بقوة، خلال زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى فرنسا، والتي حظي فيها باستقبال الرؤساء، والتقاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة استثنائية لم تحصل من قبل.

قائد الجيش يستعد أيضاً لزيارة واشنطن، خلال الشهر الجاري، للقاء كبار المسؤولين الأميركيين في وزارة الدفاع وفي الكونغرس. وتشير مصادر متابعة إلى أنه يستعد كذلك لزيارة موسكو، والعنوان الأساسي في كل هذه الجولات هو الحفاظ على الاستقرار في لبنان.

موسكو أيضاً ستكون على موعد مع زيارة يجريها مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لبحث ملفات أمنية تتركز أهميتها في الحفاظ على الاستقرار بلبنان، وما تجتمع عليه واشنطن وموسكو أيضاً هو ملف ضبط حركة الحدود البرية بين لبنان وسورية، ومنع الاستمرار بعمليات التهريب.

كل هذه التحركات الدولية لا تنفصل عن لقاء الفاتيكان، الذي يتم التحضير له لبنانياً بعقد قمة إسلامية - مسيحية، سيدعو إليها البطريرك الماروني بشارة الراعي لرجال الدين من مختلف الطوائف، والبحث في كل الهموم المشتركة والخروج بورقة أو توصية حول كيفية الحفاظ على الكيان اللبناني وصيغته المتنوعة، من خلال الدستور والميثاق الوطني واتفاق الطائف، على أن ترفع نتيجة هذه القمة الإسلامية - المسيحية إلى الفاتيكان وتتم مناقشتها في لقاء البابا يوم الأول من يوليو.

ينتظر لبنان سلسلة استحقاقات دولية لا تنفصل عن مفاوضات فيينا، التي ستتجدد بعد الانتخابات الإيرانية في 18 الجاري، واستمرار مفاوضات بغداد بين السعودية وإيران، لكنه يصارع الوقت أو يسابق الزمن بين الوصول إلى حلول خارجية تنعكس في الداخل وبين وتيرة الانهيار السريع.

منير الربيع