في الصميم: من سيفزع للكويت هذه المرة؟
نحمد الله، وكالعادة، أن قامت الكويت والأمة العربية والإسلامية وبعض دول العالم المستقلة نوعا ما بتكرار إداناتهم لإسرائيل منذ قيامها والى يومنا هذا، بلا كلل ولا ملل، فقد أدانوا بعنف لا مثيل له المذابح والتنكيل التي ارتكبها الصهاينة في حق أبناء شعبنا الشقيق في فلسطين.كما نشد على يد من صاغ الموقف الكويتي القومي الثابت إزاء القضية الفلسطينية في بيانهم المتشدد ضد العدو، فالكويت دانت رسميا وشعبيا العدوان على غزة، وقامت بحملة تبرعات شعبية وأرسلت مواد إغاثية الى أهالي غزة الذين نكبوا على يد حماس والعدو الصهيوني، فما قامت به الكويت واجب لا شك فيه، وهو كاف بالنسبة إليها، فلا تحملوا أكثر مما تحتمله، ولا تتباروا وتتسابقوا على مواقف لا تطيقها.وتعليقا على ما يقوم به البعض في الكويت من محاولات تجعل من الكويت خط المواجهة الأول مع إسرائيل، ومن فزعة لما قامت به حماس الموالية لإيران مع العدو الصهيوني، غرد الكاتب الإماراتي عبدالخالق عبدالله قائلا: هناك قانون كويتي جديد يحضّر ليجرّم به التطبيع مع إسرائيل، ويعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت، والغرامة لكل من يتعامل مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير المباشر، أو لمن يتعاطف معها أو يزورها، وهذا قانون حتى حماس والسلطة الفلسطينية لم يفرضاه على الفلسطينيين.
إنها مزايدة كويتية أخرى حتى على أصحاب الأرض الشرعيين، وهو تشدد لم تقم به أي دولة في العالم، ويبدو أن الكويت فقط، ووحدها، هي من تريد تحرير فلسطين من الغاصبين.قلبنا على الكويت صاحبة الفزعات القومية لفلسطين، فمن سيفزع لها هذه المرة إذا ما سقطت تحت براثن غازٍ آخر؟ فيبدو أنها تسير وحيدة حاملة السلم بالعرض سعيدة برسائل مديح لن تغنيها ولن تنفعها بشيء، فالسلطة الفلسطينية وحماس، تتفاوضان مع إسرائيل، ومعظم الدول العربية والخليجية إما طبّعت أو ستطبّع أو موافقة على التطبيع، فهل ستنفعنا تلك الشعارات والمظاهرات ومناكفة أميركا وحلفائها، وهل ستنفعنا مواقفنا القومية وقت الضيق؟ ومن ذا الذي سيقف معنا إذا ما تعرضنا لأي خطر؟ فما يقوم به بعض الإخوان سيترك الكويت وحيدة بعيدة عن الوضع الدولي، وهو بالتأكيد ليس لمصلحتنا القومية.الفلسطينيون يواجهون ظلما وطغيانا واحتلالا إسرائيليا، وكذلك اليمنيون والعراقيون والسوريون واللبنانيون هم الآخرون يعانون من جرائم إيران الوحشية، فأين فزعاتكم لهم؟ وما فعلته إيران وميليشياتها في تلك الدول أضعاف مضاعفة لما فعلته إسرائيل، ولكن ماذا نقول وقد أصبحت حتى قضايانا القومية عرضة للمزاجية؟ كانت الكويت حتى 2/ 8 /1990 هي صاحبة الصوت الأعلى، والإعلام الأقوى، والتأثير السياسي الأميز في كل القضايا القومية، وعلى وجه الخصوص، القضية الفلسطينية، فهي مسقط رأس حركة تحرير فلسطين، كانت الكويت دائماً في وجه المدفع، وبسبب مواقفها القومية اختطفت طائراتها، وفجرت مرافقها النفطية، واغتيل الأبرياء في مقاهيها الشعبية، لم يكن يشق للكويت غبار، لم يستطع أن يجاريها أحد، ولا حتى أصحاب القضية، فكان لا بد من إسكات الكويت، فتم إسكاتها بصدّام رغم فزعتها له، وانكفأ الكويتيون، حكومة وشعباً، كرد فعل غاضب ضد من ضحت من أجلهم فقلبوا لها ظهر المجن.ويبدو أن الكويت حنّت إلى الأيام الخوالي التي أودت بها إلى الكارثة، ما نراه اليوم هو توجه لأن توضع الكويت مرة ثانية في وجه المدفع، رغم صمت من هم أولى بالصمود، فهم من احتلت أراضيهم، وهم الأقوى، وهم من يفترض بهم استرجاع ما فرطوا فيه، وهم من رفعوا عقيرتهم مطالبين بتحرير فلسطين من وراء ميكروفوناتهم، وفي نهاية الأمر هم من طبّعوا مع إسرائيل في السر والعلن، الكويت الآن تصول وتجول خليجيا وعربيا ودوليا، تريد أن تحل مشاكل العرب المستحيل حلحلتها، وأن تدافع عن قضية العرب الأولى، وبدأت تنافح وتجادل وتعارض حتى من طرد صدام من أراضيها.نقول: عندما سقطت الكويت تحت براثن الظلم لم يفزع لها إلا مجلس التعاون ومصر، وتركت تلعق جراحها وحيدة، وهي تتعرض لكل أنواع الظلم ممن وقفت معهم في السابق، حتى سخّر لها الله أميركا وحلفاؤها، لينقذوها، أما اليوم، فقد تغيرت الأوضاع، وقلبت المنطقة رأسا على عقب، ولم يعد هناك من معين غير الله، وممن رحم الله.ملحوظة: نعيش اليوم زمن الحقبة الأميركية، فمن أراد السلامة فمن الحكمة ألا يخسر حلفاءه.