حين يجتمع رؤساء الدول والحكومات المنتسبون إلى حلف الناتو في بروكسل في يونيو الجاري، سيحملون معهم أجندة واسعة ومعقدة، إذ يحتاج الحلف إلى التوافق حول مسائل عاجلة تتراوح بين منع وقوع كارثة حقيقية في أفغانستان ومواجهة الصين والحفاظ على التقدم المُحقق تمهيداً لإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، لكن قد تتعلق المسألة الأكثر إلحاحاً على الأرجح بضرورة وضع استراتيجية متماسكة وعابرة للأطلسي لمواجهة التهديد الروسي المتزايد للمصالح الأميركية والأوروبية.حتى الآن، تبدو السياسة المعتمدة تجاه روسيا مجزأة، فقد كان الحلفاء يرفضون أسوأ تجاوزات روسيا، مثل استيلائها على الأراضي واستعمال الأسلحة الكيماوية لمحاولة اغتيال شخصيات داخل دول الاتحاد الأوروبي، لكنهم كانوا يتقربون منها في مجالات أخرى مثل الطاقة.
تتعدد أشكال العدائية الروسية، نذكر منها:• تسميم ألكسندر ليتفينينكو وسيرغي سكريبال وألكسي نافالني.• التدخل الروسي الواسع في انتخابات دول أخرى.• حملة تضليل ناشطة في وسائل الإعلام الغربية.• تفجيرات في مستودعات متفجرات في جمهورية التشيك وبلغاريا على الأرجح.• رشوة سياسيين غربيين.• توغل جوي وبحري في أراضي دول الناتو.• مناورات خطيرة في محيط الطائرات والسفن البحرية التابعة لحلف الناتو في المياه الدولية.• إعاقة حرية مرور السفن في أجزاء من البحر الأسود وبحر آزوف. اجتمع قادة حلف الناتو آخر مرة في لندن في ديسمبر 2019، حين كانت العلاقات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، في أسوأ أحوالها، وكان ترامب يواجه حينها تحقيقاً يجازف بعزله في الولايات المتحدة.لكن يختلف الوضع في عام 2021، فقد أوضح جو بايدن رغبته في إعادة بناء العلاقات، ويمكن اعتبار قرار الإدارة الأميركية الأخير بعدم معاقبة الشركات الغربية المرتبطة بمشروع "نورد ستريم 2" بسبب تواطئها مع روسيا للتحايل على أوكرانيا وأوروبا الوسطى، تزامناً مع زيادة اتكال أوروبا الغربية على الغاز الروسي، مبادرة حسنة باتجاه ألمانيا.لذا تتعلق المسألة الأساسية خلال قمة الناتو الشهر الجاري بمدى استعداد ألمانيا للردّ على هذه المبادرة، فهل تستطيع الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، والدول الحليفة في أوروبا الوسطى والبلطيق وجنوب أوروبا والدول الاسكندنافية التعاون في ما بينها لطرح تقييم متماسك ورؤية مشتركة واستراتيجية جماعية للتعامل مع روسيا؟تُعتبر العدائية الروسية ضد أوروبا أخطر تهديد وشيك على جميع دول حلف الناتو، لقد فات الأوان على وضع استراتيجية مشتركة للتصدي لهذه النزعة. لكن تبرز ثلاث سياسات قادرة على إحداث تغيير مؤثر:• اتخذت جمهورية التشيك خطوة تقليدية لكنها جريئة حين قررت الحد من عدد الدبلوماسيين الروس على أراضيها ومساواته بالعدد الذي تملكه جمهورية التشيك في روسيا، فهل سينضم الحلفاء إليها للتأكيد على هذا الشكل من المعاملة بالمثل في المجال الدبلوماسي؟• هل سيعزز الحلفاء التزامهم بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع رغم المصاعب المتوقعة بعد أزمة كورونا؟• هل سيعيد حلف الناتو التأكيد على سياسته القائمة بموجب المادة العاشرة من معاهدته لفتح أبوابه أمام جميع الديمقراطيات الأوروبية التي تتقاسم قيمه والسماح لها بالمشاركة في ضمان الأمن المشترك؟ تُعتبر أوكرانيا وجورجيا تحديداً من المجتمعات التي تحب الحرية لكنهما تقعان في منطقة جغرافية غير مناسبة، وفي مطلق الأحوال، يملك الناس في تبليسي وكييف اليوم الحق بالأمن بقدر سكان برلين وباريس وبروكسل منذ جيل، علماً أن الولايات المتحدة وجدت صعوبة حينها في القيام بهذا النوع من الالتزامات، ويجب أن يلتزم الناتو أخيراً "بفتح الباب" أمام الجميع وينفّذ هذا الالتزام بجدّية.ستُحدد قمة الناتو في 14 يونيو الجاري مستقبل الحلف خلال الفترة المتبقية من عهد جو بايدن، وفي حال تجديد الاصطفاف الأميركي الألماني، يرتفع احتمال إطلاق مسار جديد وجريء لضمان مستقبل أوروبا. إنه الوقت المناسب لاتخاذ هذه الخطوة!
مقالات
خطة لزيادة جدية «الناتو» في تعامله مع روسيا
08-06-2021