في كل يوم ينشر في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الأمور المتعلقة بالعملات الرقمية، أشخاص معها وآخرون ضدها، فمن يقرر الصحيح من الخطأ في هذا الشأن؟ هل نحن أم المختصون؟ الكثير من التساؤلات تطرح في كل يوم، هل العملات الرقمية حقيقية؟ وهل النظام آمن؟ وعلى أي أساس تتم التعاملات التجارية؟ وما مخاطر هذه العملات وعلاقتها بغسل الأموال؟ وهل ينصح بالاستثمار فيها؟ وما مستقبلها في الكويت؟ والسؤال الأهم: هل هي فقاعة جديدة في الاقتصاد العالمي؟ كل هذه التساؤلات وغيرها تمت مناقشتها والإجابة عنها في تحقيق أجرته «الجريدة» عبر حوارها مع مجموعة من المختصين، لكشف أسرار العملات الرقمية ومصيرها، وإليكم التفاصيل:
بداية، قال المستثمر في العملات الرقمية عبدالرحمن الماجد، بدأت هذه العملات مع أول اصدار لـ"بتكوين" في عام 2009، وهي عملات حقيقية وفعلية وموجودة وتدار ما بين الناس وما بين المستثمرين والتجار والمستخدمين، كما أن البيع والشراء في العملات الرقمية يعتمدان على العرض والطلب، فعندما يزيد العرض لعملة معينة ينخفض سعرها، وعندما يزيد الطلب على عملة يرتفع سعرها، فالعملات لا تقترن لا بذهب أو أسواق ولا حتى بالسياسة، لأنها بالأساس عبارة عن تكنولوجيا، ومن يديرها هو أفراد المجتمع (الذين يستخدمونها).وأضاف الماجد، أن الحديث عن ملايين وليس مليوناً فقط، بعض الناس حققوا أرقاماً كبيرة جداً، وفي السوق من ديسمبر 2020 إلى الآن حقق بعض الناس 4000 في المئة، وهناك أشخاص أصبحوا "مليونيرية" في يوم وليلة، وهذا المال يدخل البلد فلمَ لا يتم تقنينه؟! وتابع أنه في كل سوق أو كل ظاهرة جديدة لا بد أن يخرج لنا المدلسون، وللأسف سوق العملات الرقمية باعتباره سوقاً جديداً وتكنولوجيا، فالتدليس فيه ولا أسهل منه، فعلى سبيل المثال، البعض يقدم توصيات في العملات والأسعار، وأعتقد أن هؤلاء يسيئون للناس، ويقومون بتضييع أموالهم.وأشار إلى أن الاستثمار في العملات الرقمية قرار حكيم، لكن يجب ألا يأخذ الشخص قرضاً لذلك، ولا يستثمر برأسمال كبير، إذ يكفي أن يضع 1 في المئة أو 2 في المئة من مدخراته في هذا السوق، و1 في المئة قد يصبح 10 في المئة خلال سنتين، وهذا خير وبركة، وأكثر من يخسر في السوق هم من يريدون أن يصبحوا "مليونيرية" في يوم وليلة.
عملات مارقة
من جهته، قال رئيس قسم الاقتصاد في "الجريدة" محمد البغلي، إن العملات الرقمية عموماً إذا نظرنا لها هي مارقة عن النظام المالي العالمي المتعارف عليه ما بين البنوك المركزية والمؤسسات المالية الكبرى، هي خارج هذا الإطار، بالتالي أكثر من مرة سمعنا عن منصات تتم سرقتها كاملة، أو منصات تكون مشبوهة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأضاف البغلي أن إحدى العمليات الدارجة قبل فترة تم فيها اتهام إحدى المنصات في تركيا بعملية غسل الأموال وهناك بعض الإجراءات من البنك المركزي التركي للسيطرة على هذه الموجودات داخل المنصة.وأوضح أن العملات الرقمية لم تحصل على أي نسبة أساسية ما بين التعاملات التجارية في العالم، وهذا العامل الأول، في حين العامل الثاني هي ليست مخزناً للقيمة، بمعنى اليوم إذا اشتريت عملة الدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني بعد 10 سنوات سيحافظ على قيمته، هذه العملة تحافظ على قيمتها كقيمة تقليدية قد تتأثر 5 في المئة أو 10 في المئة لكن ليس أكثر من ذلك.وذكر أن من يريد أن يضارب ويخاطر بحجم ضئيل من أمواله فليذهب إلى سوق العملات الرقمية، لكن بالنهاية تظل وهماً وفقاعة ولا علاقة لها بأوجه الاستثمار السليم، خصوصاً مع عدم وجود قانون واضح يحد من عمليات التلاعب في العملات الرقمية، "وأخشى أن نقع بمشكلة مثل مشكلة النصب العقاري"وذكر أن مسؤولية بنك الكويت المركزي، وهيئة أسواق المال، هي كبيرة في إعداد قانون يشمل مختلف العمليات المالية المشبوهة سواء تنظيم عمليات التداول في الفوركس أو حتى العملات الحقيقية وأيضاً الرقمية، وأعتقد أننا بحاجة لقانون واضح ولائحة تنفيذية ويطبق بشكل صارم على الجميع.وبين البغلي أن العملة الرقمية ليست حقيقية وليست أصلاً استثمارياً، هي في الحقيقة فقاعة وفي التاريخ العديد من الفقاعات التي تضخمت أسعارها وحققت ثروات عالية للمستثمرين بها، لكنها في النهاية فقاعة انفجرت، فقبل 300 سنة حدثت فقاعة "التوليب"، أي بذور التوليب الهولندية وكانت لها قيمة مرتفعة جداً أعلى من قيمة المزارع في هولندا وهي مجرد بذور، وفعلاً ارتفعت أسعارها وبعد فترة أصبح لهذه البذور قيمة البذور العادية، انتهى الموضوع وأصبحت لا تساوي أسعار المزارع، وعلى سبيل المثال هنا في الكويت أزمة سوق المناخ، كانوا يقولون عمن لا يدخل سوق المناخ أن هذا كاره للرزق والربح وأن من لا يدخل سوق المناخ مجنون، وانفجرت الفقاعة كان حجم سوق المناخ مايعادل 6 أضعاف حجم الاقتصاد الكويتي في ذلك الوقت، وكان سوق الكويت ثاني أكبر سوق بالعالم بعد بورصة نيويورك من حيث القيمة السوقية، لكن هذا لا يغير من أن هناك فقاعة.العملات المشفرة
من ناحيته، قال أستاذ القانون الاقتصادي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. عبدالعزيز الشبيب، إن العملة الرقمية لا تشكل ضرراً، العملة المشفرة هي التي تشكل ضرراً، وأتصور أنها عملة غير حقيقية لأنها في زيادة في القيمة وانخفاض سريع في القيمة، فالمستثمرون هم من منحوا ثقة لمثل هذه العملات المشفرة، بالتالي لا يوجد غطاء واضح لهذه العملات المشفرة، فعندما نرى أغطية أنظمة النقود الحقيقية نجد 4 رئيسية لها، وهذه الأغطية غير موجودة في العملات المشفرة: 1-غطاء الذهب الكامل و2- غطاء الذهب النصفي، و3- غطاء الإصدار الحر، و4- الحد الأقصى للإصدار.وأشار الشبيب إلى تعاملات الدول، كالإمارات والسعودية فقد بادرتا بمشروع "عابر" لدراسة وفهم طريقة التسويات في العملات المشفرة، أما بالنسبة لقطر فقد منعت التداول، والبحرين أصدرت لوائح فيما يتعلق بالعملات المشفرة.وتمنى من المشرع "وأشد على يده في عمل ضبط وحوكمة لمثل هذه الأعمال، وفيما يخص المستثمر يوجد مضارب ينجرف لمثل هذه الأرباح السريعة وأعتقد أن الأرباح السريعة، وإن كانت ربحاً سريعاً لكن تصاحبه خسارة أسرع منه، ورأينا في الأيام القليلة الماضية، وأتمنى ألا ننجرف وراء هذه الفقاعة الكبيرة (العملات المشفرة)، فهذه الفقاعات مصيرها الانفجار في النهاية، لأن ليس لها غطاء وليس لها أي نظام قانوني وليست مشفرة وليست قائمة على الشفافية والإفصاح التي هي بالأساس مبادئ رئيسية في المضاربة وكذلك في المعاملات التجارية والمعاملات الاقتصادية بشكل عام.ذكر الشبيب حادثة حصلت لأحد زملائه قبل 4 سنوات " إذ دخل هكرز على أجهزته وعمل قفل على كل الأجهزة، وطلب بالمقابل توريد المبالغ بعملة البتكوين، وبالفعل تم توريد العملة بقيمة 2000 دينار وقام الهكرز بتحويلها إلى عملة حقيقية، هنا نجد أن هذا السوق غطاء وأرض خصبة للعمليات غير المشروعة.وحدة للقياس
بدوره، قال رئيس وحدة أمن المعلومات في البنك المركزي علي الخالد، إن العملة هي وحدة للقياس نستطيع قياس سعر عملة بسعر عملة أخرى، والعملة تختزن القيمة أي تكون لها قيمة لدى الناس ويكون لها قبول، وأيضاً هي أداة للإبراء القانوني بمعنى اليوم عندما تذهب للمحاكم لا تستطيع أن تدفع بأي عملة أنت تقررها، عليك دفع بالعملة المعترف فيها العملة الوطنية.وأشار الخالد إلى حقيقة العملات الرقمية وقال إنها تسمى مجازاً عملات بينما في واقع الحال هي أصول افتراضية حسب تعريفات الجهات التنظيمية حول العالم وحسب تعريفات المنظمات الدولية في هذا الجانب، تسمى أصول افتراضية لأن هذه العملات المشفرة لا تحمل جميع خصائص العملات كما نحن نعرفها اليوم وكما هي معرفة في جميع دول العالم.وأوضح أن الكثير من الدول في العالم لم تحسم أمرها بخصوص هذه الأصول الأفتراضية حتى الآن سواء بالتنظيم أو المنع فلازال الموضوع قيد الدراسة، البنك الفدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وكذلك البنك الإنكليزي مازالوا في طور دراسة الموضوع لأن أبعاده تتخطى القضايا التي ناقشناها فيما يتعلق بالأصول الافتراضية، حتى الدول التي قطعت شوطاً في هذا الأمر على سبيل المثال الصين بدأت اختبار عملتها الافتراضية الوطنية عام 2020 ومازال في طور الاختبار، بنك الكويت المركزي حالياً في طور دراسة الموضوع في كل أبعاده ومن ضمن الاستراتيجية التي وضعها البنك لدولة الكويت في هذا الخصوص.وشدد الخالد على ضرورة الانتباه إلى أن العملات المشفرة اليوم هي عملات متذبذبة وغير مستقرة ومخاطرها عالية، ومن الضروري أيضا أن ينتبهوا العملاء اليوم لهذه الجزئية حتى لا يعرضوا أموالهم إلى الخطر، منبهاً إلى أن الموضوع كبير جداً وسيغير اقتصاديات وستتغير القطاعات المالية بشكل جذري جداً، وأعتقد أننا مقبلون على مرحلة جديدة في هذا العالم، سيتغير مفهومنا للمالية وللعملة، سيتغير مفهومنا للاستقرار المالي.