لو أمعنت قريش النظر لأدركت أن مكة قد فتحت أبوابها للإسلام يوم كُتب "عهد الحديبية" وليس بعده بعامٍ ونصف العام، كما كانوا يتصورون... لأن شروط ذلك العهد تبدو لمن ينظر إليه ظاهرياً، كما نظر إليه القرشيون، أنه ليس لمصلحة المسلمين، إذ ورد في بعض بنوده:• يُرد المسلمون عن مكة هذا العام، ويدخلونها في العام الذي يليه، وتوضع الحرب عن الناس عشر سنين:
***• كان المسلمون أكثر حاجةً إلى هذه الفترة من السلام والأمن، من حاجة المشركين إليها، فتوقُّف الحرب ضمن للمسلمين الاستقرار، الذي جعل من تلك الهدنة فرصة أتيحت لمن دخلوا في دين الله أضعافاً مضاعفة، ممن دخلوا الإسلام قبل إبرام ذلك العهد.***• ومما جاء في بنود ذلك العهد: "من أتى محمداً من قريش، بغير إذنٍ، من وليه، ردَّهُ عليهم... ومن جاء قريشاً ممن مع محمدٍ، لم يُرد عليه".فاستفز بعض الصحابة من صيغة ذلك الشرط، وسألوا نبي الرحمة، عليه السلام:- يا رسول الله، هل ستوافق لهم على ذلك الشرط؟فرد عليه الصلاة والسلام، مبتسماً:- من جاءنا منهم فرددناه إليهم سيجعل الله له فرجاً... ومن أعرض عنا وذهب إليهم فلسنا منه في شيء وليس منا، بل هو أولى بهم.***• لم يكن الصحابة الذين كان لهم تحفظ عن قبول نبي الرحمة، صلى الله عليه وسلم بهذا الشروط، يدركون أن مكة قد استسلمت حقاً، يوم وافق عليه السلام مع القرشيين على ذلك العهد، الذي جعل أبا سفيان يقول لسهيل بن عمرو، وهو الذي كان يفاوض عن قريش:- ويحك يا سهيل! واللات لقد سحرك محمد... إن شروطك تلك ستنقلب علينا، وهي ليست مجحفة بحق المسلمين، كما كنت تظن.***• ودخل تنفيذ ذلك العهد اختباره الأول يوم كسر أبوجندل قيوده وفر من مكة ليلتحق بالمسلمين وهم في الحديبية... فلحق به والده سهيل بن عمرو، الذي أبرم العهد مع المسلمين، ليرجعوه إلى مكة.- يا محمد... ولدي أبوجندل فر هارباً إليك، فأعده إلي بموجب العهد. فصاح أبوجندل:- يا رسول الله، لا تردني إلى المشركين، فهم يقيدونني... إنهم كفار. • ولكن الوفي الأمين، الذي يفي بالعهود، ولا يغدر بها يقول له:- يا أبا جندل، اصبر واحتسب... إن الله مع الصابرين، والله تعالى سيجعل لك مخرجاً أنت ومن معك من المستضعفين... ولقد عقدنا صلحاً مع القوم، وأعطيناهم عهدنا، ووالله لا نغدر بهم.***• بالفعل ما إن عاد أبوجندل إلى محبسهِ في مكة، حتى تكونت مجموعة من المسلمين المضطهدين بقيادة أبي نصير، فكسرت قيودها وصارت لها قيادة في أرض جهينة... وكان أبوجندل في مقدمة فرسانها، الذين كانوا يتصدون بشجاعة لقوافل قريش، مما دفع أبا سفيان إلى الاستسلام... وما هي إلا فترة وجيزة حتى دخلت جحافل المسلمين إلى مكة، لتصدح السماء:{إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً* فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}.
أخر كلام
لأنه لا ينطق عن الهوى!
08-06-2021