مطلوب رئيس خيال مآته
"مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". (الجمعة- 5). تشبه الآية الكريمة الذين كلفهم الله بحمل رسالته ليستفيدوا منها وبما فيها من أخلاق ومواعظ، ويفيدون غيرهم من البشر، لكنهم تقاعسوا عن تشريف الله لهم بتحمل تلك الرسالة فلم يؤدوها، شبههم بالحمار الذي تُحمل على ظهره الكتب والأسفار، ولكنه لا يستطيع الاستفادة منها، لأنه لا عقل له، أما من وهبه الله العقل والقدرة على الاستفادة، وتعمد عدم الاستفادة فهو يستحق التحقير، فالله ميز الإنسان عن سائر الكائنات بقدراته العقلية الهائلة، لذلك حمله الله رسالة وأمانة قال عنها: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً". (الأحزاب- 72)، فالإنسان بما يمتلك من قدرات عقلية وهبها الله له قادر على حمل رسالة ربه في إعمار الكون ونشر الخلق الجيد، وهو آثم إن لم يؤد تلك الأمانة، التي وصفها الله بأنها ثقيلة، ولو عرضت على السموات والأرض والجبال لما استطاعت حملها ولكن حملها الإنسان.ومن الممكن أن ننقل هذه الصورة إلى واقعنا الاجتماعي، وما يجري فيه من أحداث مؤسفة، لقد أجريت عندنا انتخابات نيابية منذ أكثر من ستة شهور، وكان بالإمكان أن تعالج فيها قضايا مهمة بحاجة إليها الدولة، لقد اختار الناخبون الأعضاء ليمثلوهم في مجلس نيابي لمراقبة الحكومة والتعاون معها في بناء الدولة ومعالجة مشكلاتها، لقد حمل الناخبون الأعضاء المنتخبين أمانة ومسؤولية ضخمة، ولكن بكل أسف لم يؤدوها بأمانة، إذ لم يجتمع المجلس خلال تلك الفترة الطويلة اجتماعا واحدا مفيدا، فالكويت مثلها كمثل معظم دول العالم، تأثرت سلبا بالوباء الذي اجتاح الكرة الأرضية، وكان له تأثير سلبي على الاقتصاد والصحة والتعليم، كان من المفروض أن تدفع هذه الظروف الأعضاء إلى مضاعفة الجهود لمواجهة تلك الأزمة.
ولكن فوجئنا وبكل أسف، أن بعض الأعضاء يفتعلون أزمة لا مبرر لها، يطالبون بتغيير رئيس مجلس الأمة المنتخب في أول جلسة من غالبية أعضاء المجلس، وتغيير رئيس مجلس الوزراء المعين من صاحب السمو أمير الدولة، وهي الإجراءات الدستورية التي سارت عليها المجالس السابقة منذ أول مجلس، وهم يطالبون بتغيير الرئيسين لا لعيب فيهما ولا لنقص في كفاءتهما، فالرئيسان عاليا الكفاءة والمهارة، غير أن من يطالب بتغييرهما، يريد رؤساء خيال مآته، أي دمية أو صورة يحركها الأعضاء كيفما يشاؤون، ولتحقيق هذا الغرض الدنيء قام بعض الأعضاء بأعمال صبيانية طفولية، كأن يدخل أحد الأعضاء بميكروفون مشابه للذي يستخدمه دلال بيع السيارات، أو يجلس بعضهم على المقاعد المخصصة للوزراء استهانة وتحقيرا للوزراء، أو يحرك عضو آخر الكرسي المخصص لرئيس الوزراء إلى الخلف في إهانة متعمدة لرئيس الوزراء. دفعت هذه الأعمال الصبيانية الوزراء إلى الاعتذار عن عدم حضور الجلسات، وأعتقد أن الوزراء كانوا محقين في التغيب عن تلك الجلسات، إذ كان الهدف منها تعمد إهانة الحكومة، فلا الحكومة ولا غالبية أعضاء المجلس يرضون بتعيين رئيس مجلس أمة دمية يملي عليه الأعضاء ما يريدون، ولا رئيس وزراء يخضع وينفذ مطالبهم الضارة بمصالح الدولة، نأمل أن نخرج من هذه الأزمة والكويت منتصرة بإذن الله على تلك الجماعة الشريرة، الكويت أقوى منكم ومن نواياكم الشريرة، الكويت كما عودتنا طوال تاريخها قادرة، بإذن الله، على أن تهزم الأشرار وتردهم خائبين، نأمل أن تكشف الحكومة عن أوراق تلك الجماعة وتمنعهم من القيام بأي نشاط في مستقبل الدولة.