تواجه الكويت هذه الأيام تحدياً متصاعداً يتعلّق بسمعتها المالية والاقتصادية كدولة متورطة، أو على الأقل متسامحة، مع العمليات المالية المشبوهة ذات الارتباطات الدولية، لاسيما قضيتي الصندوق الماليزي (MDB1) وصندوق الجيش الكويتي، فضلاً عن العديد من القضايا المحلية الأخرى التي تمسّ مشاهير «السوشيال ميديا»، وصولاً إلى شخصيات على قدر عالٍ من الأهمية والحساسية.ففي الأسابيع القليلة الماضية، طفت على السطح مجموعة تطورات غير معهودة تشير إلى أن الكويت باتت في مرمى نظر عدد متزايد من المؤسسات، التي تهتم أو تناقش قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب دولياً، واتضح جانب منها عبر تصريحات القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي جوي هود، بأن «واشنطن ستواصل دورها الجاد في مكافحة الفساد بالكويت»، وهو تلميح غير معتاد في سياق العلاقات الكويتية - الأميركية، يشير إلى دور أميركي في متابعة هذه الملفات، وربما غيرها، خصوصاً فيما يرتبط بتشابكاتها، التي تتعلق بعمليات غسل الأموال أو الاحتيال، وتمسّ مصالح ومؤسسات أميركية بقدر ما تمس مصالح ومؤسسات كويتية، الأمر الذي يجعل التعامل مع أي تدخّل خارجي من باب التعاون لسدّ الثغرات الأمنية والفنية في النظامين المالي والمصرفي في الكويت أكثر من كونه تدخّلاً في أعمال السيادة الكويتية.
ورشة أميركية
واتسق هذا التصريح مع فعل عملي، إذ أعلنت سفيرة الولايات المتحدة في الكويت ألينا رومانوسكي، هذا الأسبوع، إطلاق ورشة عمل افتراضية مكوّنة من جلسات متعددة، بتنظيم وزارة العدل الأميركية، بالتعاون مع النيابة العامة في الكويت. وحسب قول السفيرة رومانوسكي: «سيتعرّف وكلاء النيابة في الورشة على أفضل الممارسات للتعامل مع القضايا المتعلقة بالإرهاب وغسل الأموال والجرائم الإلكترونية والعملات المشفرة»، مما يبيّن جانباً من الاهتمام الأميركي اللافت بمكافحة العمليات المالية المشبوهة في الكويت.بل إن هذا النوع من القضايا المالية المشبوهة بات محطّ اهتمام عدد من المؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم، مثل وكالة أسوشيتيد برس، التي بثّت تقريراً في نهاية الشهر الماضي عن «صندوق الجيش» وارتباطاته الدولية، واصفة القضية بأنها اختبار للعدالة في الكويت، وقد أعادت كبريات الصحف العالمية، مثل واشنطن بوست الأميركية، والإندبندنت البريطانية، نشر التقرير، مما يدل على أهمية هذا الملف من ناحية، وقوى تسليط الضوء على الكويت دولياً من ناحية أخرى.تطورات دولية
وخلال الفترة الماضية، تدفقت مجموعة من المعلومات حول هذه القضايا، التي ترتبط بالكويت كمؤسسات أو شخصيات؛ ففي الصندوق الماليزي مثلاً، فرضت الولايات المتحدة غرامة قاسية بنحو 3 مليارات دولار على «غولدمان ساكس»، الذي يعتبر أحد أكبر البنوك في العالم لتسوية تحقيق حول الدور الذي لعبه البنك في عمليات غسل الأموال بصندوق الثروة الماليزي، مما يبين اهتماماً بالغاً من السلطات الأميركية بالقضية، ربما لا يصل إلى فرض غرامات مماثلة على الكيانات الكويتية، لكنّه سيعمل بالتأكيد على تحفيز السلطات في الكويت، ولو بالضغط عليها لمعالجة الثغرات المالية والمصرفية.وفيما يتعلّق بصندوق الجيش وارتباطاته بعمليات احتيال على الأقاليم الأميركية، فإن هناك القليل من المعلومات المرتبطة بالموضوع، نظراً إلى منع النائب العام في الكويت نشر تفاصيل التحقيقات عن الموضوع منذ نوفمبر 2019، ومع ذلك تظل القضية حاضرة وذات أهمية وأبعاد مرتبطة بها خارجياً وداخلياً.تباطؤ محلي
ولو أن هذا الضغط الدولي على الكويت واكبته جدية حكومية في متابعة الملفات المثارة، لكان في الأمر توازن في التعامل مع التحديات، لكنّ المتابع للتطورات يلمس تباطؤاً في التعامل مع الملفات العاجلة، فوزير المالية السابق براك الشيتان أصدر في يوليو 2020 قراراً بتشكيل لجنة لدراسة تعديل القانون رقم 106 لسنة 2013، في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لـ«دراسة أوجه القصور في التشريعات القائمة واقتراح التعديلات المناسبة لرفع كفاءة وحدة التحريات المالية وتدعيم استقلاليتها وتعزيز صلاحياتها وأدواتها»، حسب تصريح الوزير، ومنذ ذلك الحين لم يصدر عن اللجنة أي خبر أو معلومة أو تصريح أو تقرير عن انتهاء أعمالها أو وضع توصياتها ودراستها لتعديل القانون.كما أن وحدة التحريات المالية، التي نص القانون رقم 106 لسنة 2013 على اختصاصها الفني بقضايا غسل الأموال ومكافحة الإرهاب، لاتزال منذ أبريل 2018 بلا رئيس أصيل للوحدة، منذ استقالة رئيسها السابق، فضلاً عن محدودية قدرتها على التعقّب والمتابعة، بسبب قلة عدد موظفيها وضعف برامج التدريب والدورات التخصصية، مما يعكس قصوراً في فهم أهمية هذا الجهاز ودوره في التعاطي مع القضايا التي تُحرج الكويت دولياً.تهاون وضغط
التهاون في علاج الشبهات المالية الكبرى يفتح الأبواب أمام الضغط الدولي، وربما حتى الابتزاز، لذلك فإنّ السلامة هي في معالجة الشبهات ذاتياً قبل أن تكون نتيجة ضغط دولي، ناهيك بأن وجود شبهات مالية فضائحية في قطاعات تمسّ أمن المجتمع مثل وزارتي الداخلية والدفاع ومختلف الأجهزة الأخرى في الدولة ضرره عميق على الاقتصاد وسمعة الكويت، بغضّ النظر حتى عن المبلغ؛ سواء كان ديناراً أو ملياراً.