من صيد الخاطر: الحمار والبردعة
اختلف المؤرخون على من هو مؤلف كتاب "كليلة ودمنة"، فمنهم من قال إن مؤلفه الأصلي هو الحكيم الهندي "بيدبا"، كتبه لملك الهند "دبشليم، وإن ابن المقفع لا يعدو أن يكون مترجماً له، أما البعض فقد أصر على أن ابن المقفع هو المؤلف، وأن كتابه هو الوحيد الموجود في العالم، وأن حواراته القصصية تمت بلغة وطريقة عربية واضحة، وفي كل الأحوال فهو كتاب قيم يزخر بالحكم والمواعظ والإسقاطات السياسية، ومن تلك القصص "الحمار والبردعة"، وهي قصة معروفة ومتداولة بين الناس حتى يومنا هذا، وكثيراً ما أستعين بها لوصف حالة خاصة لبلد ما، ومنها هذه القصة: كان هناك حمار لباط رفاس كثير الأذى، ما إن يدخل السوق حتى يرفس هذا ويعض ذاك، ويطرح أرضا كل من في طريقه، لم يكن الحمار يكتفي بذلك، بل كان يتلف بسطات الباعة، ويكسر جرار الفخارين، ويأكل خضراوات الباعة، فينهال أهل السوق على بردعته، المحشوة بالتبن، بالضرب المبرح، نافثين فيها تبرمهم، صابين عليها جام غضبهم.فلما رأى أهل السوق أن كل هذا الضرب المبرح على بردعة الحمار لم تردعه، ولم يغير الضرب من طبعه المؤذي، قرروا ألا حل لهم إلا بتغيير البردعة لعل وعسى.
غيّر أهل السوق البردعة ببردعة جميلة ومزخرفة، إلا أن الحمار ظل في غيه، لم يرعوِ، ولم يقّدر لأهل السوق حتى لشرائهم له بردعته الجديدة، فأهل السوق بالطبع فاتهم أن يضربوا الحمار، فلو ضربوه لارعوى، فهم كمثل الزوج الذي يهان في عمله فيعود الى بيته ليصب جام غضبه على أطفاله أو زوجته، محاولا أن يسترجع رجولته على من لا حول لهم ولا قوة. ملحوظة: منقولة ومقتبسة بتصرف كثير.