وثيقة لها تاريخ: يهود «خيبر» نحو 5 آلاف وعاشوا عُراة في جبل
نكمل حديثنا عن كتاب "يوميات لودوفيكو دي فارتيما البولوني"، التي نشرت عام 1510م، إذ تحدّثنا في المقال السابق عن وصفه لمدينة دمشق، التي قضى فيها عدة أشهر، وتعلّم فيها شيئاً من اللغة العربية. قرر لودوفيكو السفر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، فاتفق مع أحد المماليك، الذي كان يدير حملة للحجاج، على أن يلبس لبساً شبيهاً بلبس المماليك، وأن يمتطي جواداً جيداً، وأن ينضم إلى فريق المماليك المرافق للحملة.يقول الرحالة الإيطالي إن القافلة، التي انضم إليها، كانت تتكون من 35 ألف جمل و40 ألف شخص و60 مملوكاً يقومون بالحماية، وقد تكون هذه الأرقام مبالغاً فيها، إلا أن هذا ما ورد في يوميات لودوفيكو. ويقول إن الرحلة تستغرق 40 يوماً وليلة، وإن القافلة تتوقف للراحة والطعام كل 20 ساعة تقريباً، وإن الجمال يُسمح لها بالشرب مرة كل ثلاثة أيام.
وفي إحدى المرات - يقول لودوفيكو- إن القافلة توقفت عند بئر ماء بالقرب من جبل صغير وشربوا منها، إلا أنه في اليوم التالي أتاهم عرب يقارب عددهم 24 ألفاً وطلبوا منهم مالاً مقابل شربهم من مياه البئر، ووقعت بينهم معركة دامية.ويروي أيضاً أنه بعد ثمانية أيام من بدء المسير، شاهد جبلاً ممتداً على أرض طولها 12 ميلاً يعيش فيها أربعة آلاف أو خمسة آلاف يهودي، وهم عراة، ولونهم أقرب إلى السواد. وذكر أيضاً أنهم يختتنون، وأنهم يقرّون بأنهم يهود، وإذا وقع بين أيديهم عربي فإنهم يسلخون جلده وهو حي.وبعد عدة أيام، وصلت القافلة إلى المدينة واستقرت بها عدة أيام، ودخل لودوفيكو المسجد النبوي، وزار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي وصفه للمسجد، يقول لودوفيكو: "المسجد مربع الشكل تقريباً، طوله حوالي 100 خطوة وعرضه 80 خطوة، وله بابان على ثلاثة جوانب، وسقفه مقوّس وبه أكثر من 400 عمود مصنوعة من الصخور المحروقة، وجميعها تم تبييضها، إضافة إلى حوالي 3 آلاف سراج مشتعل معلّقة على جانب الأقواس".ووصف قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال "وفي مقدمة المسجد، يوجد برج مربع الشكل حوالي خمس خطوات لكل جانب، وحوله قطعة من الحرير، وحول هذا البرج بمسافة خطوتين، يوجد سور حديدي به نقوش جميلة جداً".وقد أخطأ لودوفيكو بالقول إن قبور أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة، رضي الله عنهم أجمعين، موجودة قرب قبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه أساء التعبير حينما قال إن المسلمين يقتتلون كالوحوش، بسبب اختلافاتهم الفكرية والعقدية التي تنسب إلى الخلفاء الأربعة.وأسهب لودوفيكو في شرح ماهية الإسلام، ولا أرى داعياً لعرض ما ذكره، لأنّه يعكس جهالة كاملة وضلالاً كبيراً وعنصرية قبيحة. في المقال المقبل نستعرض ما شاهده لودوفيكو وما كتبه عن مكة المكرمة، إن شاء الله.