أثار زلزال تراجع تصنيف جامعة الكويت 200 مركز لعام 2022، والذي انفردت «الجريدة» بنشره في عدد أمس الأول ردود أفعال وتداعيات صاخبة واستنفاراً حكومياً وأكاديمياً، مما حرك المياه الراكدة في بحيرة إصلاح التعليم العالي وتحسين مخرجاته، ودق جرس إنذار حول تدني الجامعة وانحدار مستواها.

وفي طليعة ردود الأفعال برز إعلان وزير التعليم العالي د. محمد الفارس أنه أرسل كتاباً إلى الجامعة لاستيضاح رأيها حول هذا التصنيف المتدني، وعلى أثره سيتم اجتماع قريب لمعالجة تلك الأزمة ورفع تصنيف الجامعة.

Ad

من جهتهم، طالب أعضاء هيئة التدريس بوضع خريطة طريق واقعية للإصلاح وفقاً لضوابط واقعية وعلمية، واتخاذ إجراءات تصحيحية لمعالجة القصور، عبر رسم سياسة بحثية محددة وانتهاج مبدأ التحفيز والمحاسبة، لدفع الأساتذة نحو البحث العلمي بدلاً من جعله اختيارياً للترقية. ورأى بعضهم أن ذلك التراجع سببه إدارة الجامعة، لافتين في المقابل إلى أن مركز Qs يؤسس تصنيفه على اعتبارات معينة لا يمكن قبول بعضها، كاعتماده على معيار نسبة الأساتذة والطلبة الأجانب في الجامعة، وإلى التفاصيل:

بداية، أعلن وزير النفط وزير التعليم العالي د. محمد الفارس عن عقد اجتماع قريب لمعالجة أزمة التصنيف، بينما طالب أساتذة بالجامعة بوضع خريطة طريق واقعية للإصلاح وفقاً لضوابط واقعية وعلمية، واتخاذ إجراءات تصحيحية لمعالجة القصور، ودفع عجلة البحث العلمي ورفع مستوى الجامعة.

وكشف الوزير الفارس لـ"الجريدة" أنه أرسل كتاباً رسمياً إلى ادارة جامعة الكويت لمعرفة رأيهم حول موضوع تراجع التصنيف، والجهة المصنفة وأسباب إجراء التصنيف.

وأشار الفارس إلى أنه "في حال رد الجامعة على الكتاب الرسمي، فإن مجلس الجامعات الحكومية سيعقد اجتماعاً قريبا لمناقشة الردود، وعلى اثره سيقرر المجلس الخطوة القادمة في كيفية معالجة الموضوع".

بدوره، قال رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت د. ابراهيم الحمود، إنه "إذا كانت هناك مثالب وقصور أديا إلى تراجع تصنيف الجامعة، فإن مرجعها للإدارة، لا إلى الأساتذة وإنتاجاتهم العلمية وإسهاماتهم المجتمعية".

وذكر الحمود: "في حقيقة الأمر والواقع أن مركز Qs يؤسس تصنيفه على اعتبارات معينة لا يمكن قبول بعضها، وبعضها الآخر يمس حق الدولة في السيادة ويعتدي على مبادئها الدستورية، ومن ذلك مثلاً اعتماده على معيار نسبة الطلبة الأجانب في الجامعة، ومن ثم انخفاض مؤشر جامعة الكويت بدرجة كبيرة، لأن معظم الطلبة من الكويتيين، ولا يشكل الأجانب نسبة مهمة فيها، وهذا المعيار غير علمي وليست له قيمة أكاديمية".

وقال الحمود إن هذا التصنيف يقوم على تنوع جنسية أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، مما يعني انخفاض تصنيف جامعة الكويت، لأن الكويتيين هم الأغلبية الكبرى، وهذا المقياس لا يمكن الوثوق به أو قبوله، فالكويتيون الأولى بالتعيين في جامعة دولتهم الرسمية، وهم أصلاً كانوا في أغلبهم من طلبتها الأوائل وهم معيدو البعثات الدارسون في أرقى الجامعات العالمية، فكيف تريد مؤسسة QS قبول غير الكويتيين وأن يوصد الباب في وجه أبناء البلد حتى تكون مرتقية بهذا التصنيف؟!".

وأضاف أن علة جامعة الكويت تكمن في إداراتها المتعاقبة، فهي ذات الإدارة منذ أكثر من 15 سنة، ينتقل بها القياديون من منصب إلى منصب ولا تأخذ بديمقراطية القرار، بل تحارب الكفاءات في تشكيل اللجان والمناصب، وتقصرها على المحسوبية والفئوية والحزبية.

محاور التقييم

من جهتها، شددت عضوة هيئة التدريس في قسم علم النفس بالجامعة د. أمثال الحويلة، على ضرورة إبراز محاور التقييم في عمليات التصنيف ومقارنتها مع وجوه القصور في الجامعة والكليات، مشيرة إلى أن هناك تصنيفات غير أكاديمية تضع بنوداً لتقييم مستوى الجامعة.

وأشارت الحويلة إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب وقفة وطنية جادة لطرح الحقائق مع الكوادر الأكاديمية، مبينة أن تراجع تصنيف الجامعة يرجع إلى عدة أسباب، منها معيار نسبة الطلبة الأجانب في الجامعة، وهذا ليس من المعايير العلمية، وقلة تنوع أعضاء هيئة التدريس الاجانب في الجامعة، رغم أن غالبيتهم من الكويتيين.

وذكرت أن حرمان الجامعة من تخصيص ميزانية للبحث العلمي بالشكل المطلوب وراء تراجع تصنيفها، فضلاً عن أن احتكار المناصب الإدارية يساهم في هذا التراجع.

وأكدت ضرورة وضع خريطة طريق واقعية لمعالجة تراجع هذا التصنيف وفقا لضوابط واقعية وعلمية، وإجراءات صحيحة لمعالجة القصور لدفع البحث العلمي ورفع مستوى الجامعة.

تنوع الأساتذة

ومن جانبه، قال عضو هيئة التدريس في قسم علم النفس بالجامعة د. خضر البارون: "إن هناك عوامل كثيرة وراء تدني مستوى الجامعة منها قلة تنوع الأساتذة من مختلف الجنسيات في كلياتها، وقلة دراسة الطلبة الأجانب في الجامعة، وايضا انتقال الطلبة بالدراسة من مبنى إلى آخر، والأجدر ان يكونوا جميعا في مبنى واحد".

وقال البارون لـ "الجريدة"، إن الكثافة الطلابية وقوانين نشر الأبحاث في الجامعة وراء تراجع التصنيف، لافتا إلى ضرورة تنوع نشر الابحاث العلمية ومشاركة الاساتذة الزائرين في الجامعة، وحرية التعبير وضبط كثافة الطلبة العالية، وزيادة اعداد اعضاء هيئة التدريس وغيرها مما سيساهم في رفع مستوى التصنيف.

اختيار القياديين

بدوره، أكد القائم بأعمال عميد كلية العلوم الحياتية بالجامعة د. احمد اللافي، ان الحلول بسيطة في تحسين تصنيف الجامعة ليكون في مراكز أفضل من الآن، وذلك من خلال اختيار القياديين بناء على الكفاءة، وتسكين جميع المناصب الجامعية بأسرع وقت، مع وضع خطط واضحة للعمل على تحسين مستوى الجامعة خلال الفترة المقبلة.

وأوضح اللافي لـ "الجريدة"، أن التصنيفات العالمية تعتمد على بعض المعايير التي تخالف سياسة الدولة في قبول الطلبة الخريجين، والأمر الذي زاد من نسبة الطلبة الى أعضاء هيئة التدريس، بالإضافة الى رأي الخريجين في المؤسسة نفسها ونسبة الأساتذة الأجانب.

وأضاف أن الفراغ الإداري الكبير الذي شهدته الجامعة خلال الفترة الماضية كان له أثر كبير على مستوى الجامعة، موضحا أنه من المهم عدم التدخل في المؤسسة التعليمية، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب سيكون له انعكاسه الإيجابي على الجامعة.

السمعة الأكاديمية

ومن جانبها، أكدت عضوة هيئة التدريس في كلية الهندسة والبترول بالجامعة د. إسراء العيسى، ان التصنيف قد تدنى بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين، لأن تقييم QS اعتمد على نتيجة أبحاث 2020 و2021 وغيرها من التصنيفات، موضحة أن اهم نقاط التقييم السمعة الاكاديمية وسمعة الخريجين لدى أصحاب العمل الذين يوظفون عندهم، ونسبة أعضاء هيئة التدريس الى الطلبة، وكذلك مدى الاقتباس من الأشخاص للأبحاث ونسبة الأجانب الى الكويتيين.

وأشارت العيسى لـ "الجريدة" الى أن الحلول ممكنة بتعديل تصنيف الجامعة في المستقبل، من خلال وضع سياسة بحثية محددة في الدولة، والتركيز على البحث العلمي والإنساني الذي يتوافق مع استراتيجيات الدولة في النهوض بالعلوم والاستدامة والرقمية والثقافة والتعليم، ووضع حوافز، إضافة إلى المحاسبة، لدفع الأساتذة على البحث العلمي بدلا من جعله اختياريا للترقية.

وبينت أنه على الرغم من أن هبوط الجامعة له أسباب ممتدة لسنوات، وهو متعلّق بضبط الجودة البحثية والإنتاج، فإنّ ما حصل أثناء الجائحة بإيقاف الجامعة لـ 5 أشهر العام الماضي، إضافة إلى نسبة الإنفاق المادي كان له تأثير على التصنيف، موضحة أن هذا الأمر الجلل كان معروفا في الأوساط الأكاديمية العالمية، والذي يؤثر على تصنيفها من خلال انحدار سمعتها في الحفاظ على استمرار التعليم بها أثناء الجائحة، رغم استمرار جميع الجامعات العريقة على مستوى العالم، حتى في أفقر الدول.

وتابعت العيسى: "من غير المعقول أن يتوقف التعليم كل هذه المدة دون إيجاد بدائل سريعة، والذي - حتماً - أثر سلباً على سمعة الجامعة التي تحتل 40 بالمئة؜ من نقاط حساب التصنيف QS، وكوني أحد المقيمين الذين تواصلت معهم الـ "QS" للتقييم، أعرف هذا جيداً، إلا أنني رفضت الإدلاء برأيي، خشية تضارب المصالح".

وأشارت الى أننا "لدينا اليوم فرصة ذهبية أمام قانون الجامعة الجديد، الذي وضع مجلس الجامعات الحكومية مقام مجلس الخدمة المدنية لها ووهبها استقلالية إدارية ومالية تتيح إعادة صياغة نصوصها ولوائحها الداخلية، لتدفع برفع جودة التعليم والبحث العلمي، وأن يكون الإنفاق مدروساً وموجهاً لخلق هذه البيئة الأكاديمية المحوكمة بأساسيات التصنيف واشتراطات الاعتماد الأكاديمي البرامجي والمؤسسي، إضافة إلى تسهيل الدورة المستندية غير المنتهية لتوظيف باحثين أو شراء معدات للأعمال البحثية".

أبرز الحلول لتحسين التصنيف
حدد بعض الأكاديميين عدداً من الحلول المقترحة لتحسين تصنيف الجامعة، وهي كالآتي:

• حل مشكلة الفراغ الإداري بجامعة الكويت وتسكين جميع المناصب القيادية في أقرب وقت

• اختيار قياديين لديهم رؤية واضحة وهدفهم النهوض بالمستوى الأكاديمي للجامعة

• زيادة ميزانية البحث العلمي ووضع معايير واضحة لتطبيقه

• تحسين سمعة الجامعة خارجياً من خلال خريجيها

• تعيين أعضاء هيئة تدريس من الأجانب

• زيادة نسبة قبول الطلبة غير الكويتيين

• فتح المكاتب الاستشارية بالكليات لعمل دراسات للخدمة المجتمعية يصرف من دخلها على الأبحاث

قلة الابتعاث

وأوضحت العيسى أن "هناك سياسة غير مجدية في جامعة الكويت، هي قلة الابتعاث لدرجتي الماجستير والدكتوراه، لأنّ الجامعة تلزم نفسها بتوظيفهم وتعيينهم أستاذة بها دون أي شروط، بخلاف بقية الجامعات، موضحة أن الجامعات الأخرى لها كراسي ابتعاث أكثر، لكنّها لا توظفهم مباشرة بشكل دائم إلا بعد عملهم من خلال إثبات جدارتهم البحثية بكراسي حديثي التخرج post doc، والذي قد يستمر لسنوات إلى أن يثبت خريج الدكتوراه جدارته البحثية ويعطي ما عنده من أبحاث وتميّز، حتى يحصل على مقعد في الجامعة"، مردفة: "لكن مع الأسف في جامعة الكويت لا يشترط أن يكون البحث العلمي أولوية في تطوير الجامعة".

أحمد الشمري وفيصل متعب وحمد العبدلي