في ظلال الدستور: على هامش استجوابات بداية الفصل التشريعي
كنت قد كتبت مقالي الأسبوعي على صفحات "الجريدة" يوم الأحد الموافق 24 مايو الماضي تحت عنوان "تأجيل الاستجوابات: لماذا لم تطلب الحكومة استبعادها (1-2)"، ولم يتسنَّ لي استكمال باقي المثالب الدستورية في الاستجوابات التي قدمت إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء في بداية الفصل التشريعي وفور حلفهم اليمين الدستورية، وقبل أن تمارس الحكومة الجديدة اختصاصاتها. وهو المقال الذي أثار غضب الدكتور عبدالكريم الكندري فأطلق تغريدة الكراهية ضد الآخر بأنني شرعنت المخالفات الدستورية، دون أن تتضمن تغريدته أي مضمون أو محتوى علمي للفرية التي افتراها على المقال وعلى كاتبه.وأسوق في مقال اليوم بعض المثالب الدستورية الأخرى على النحو التالي:
ثقة الأمير حيث تنص المادة (56) من الدستور على أن "يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه، ويعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم". ومؤدى هذا النص أن تعيين الوزراء أو إعفاءهم من مناصبهم يعتبر قراراً نهائياً وغير معلن على إصدار قرار من مجلس بالثقة بالوزارة، وهو ما أكدته المذكرة التفسيرية للدستور في بيانها حول النهج الوسط الذي تبناه الدستور في التوفيق بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي، في الأمر السابع من الأمور الثمانية التي جعلها الدستور حجر الزواية في كفالة الاستقرار في الحكم في ما قررته من أنه: " في نصوص متفرقة من الدستور ترك مجالا واسعا لتصرف رئيس الدولة... دون رجوع سابق إلى مجلس الأمة أو دون الرجوع إليه كلية، ومثال ذلك... الاستعاضة بثقة رئيس الدولة في تشكيل الوزارة عن حصولها على ثقة مجلس الأمة".ومن هنا فإن التلويح باستجواب رئيس مجلس الوزراء، إذا تضمن التشكيل الوزاري بعض الوزراء، في الحكومة المستقيلة وتقديم استجوابات إلى رئيس مجلس الوزراء، فور حلف الحكومة اليمين الدستورية، يكون قصيا عن الجادة عصيا على التقبل، وتنقيحا فعليا للدستور.والواقع أن الأعضاء الذين سعوا إلى هذا الأمر وهو تنقيح الدستور، محاكاة للنظام البرلماني الذي يقرر أن الوزارة لا يستقر بها المقام أو لا تعين أصلاً تعيينا نهائياً، إلا بعد الحصول على ثقة البرلمان. إلا أن الدستور بحرصه الشديد على تنحية الحكومة القائمة في بداية الفصل التشريعي نص في المادة (57) على أنه "يعاد تشكيل الوزارة على النحو المبين بالمادة السابقة عند بدء كل فصل تشريعي"، وهي إشارة واضحة إلى المشاورات التقليدية التي وردت في المادة (56) فيما نصت عليه من أنه يكون تعيين رئيس مجلس الوزراء بعد المشاورات التقليدية التي يجريها الأمير عقب الانتخابات البرلمانية. وفي تفسير المادة (56) سالفة الذكر تقرر المذكرة التفسيرية بأن "المشاورات التقليدية التي تسبق تعيين رئيس مجلس الوزراء، هي المشاورات التي يستطلع بموجبها رئيس الدولة وجهة نظر الشخصيات السياسية صاحبة الرأي في البلاد وفي مقدمتها، رئيس مجلس الأمة، ورؤساء الجماعات السياسية، ورؤساء الوزارات السابقين الذين يرى رئيس الدولة من المفيد أن يستطلع رأيهم، ومن إليهم من أصحاب الرأي السياسي". حكومة حائزة ثقة الأمير والأمةوفي تفسير المادة (57) من الدستور تقرر المذكرة التفسيرية وهي ملزمة شأن نصوص الدستور ذاته بأن هذا النص: "يتيح للأمير فرصة دستورية طبيعية لتجديد ثقته بالوزارة والوزراء إذا ما أدوا رسالتهم في الوزارة على النحو المرضي، أو لوضع الوزير في منصب وزاري أكثر ملاءمة من منصبه السابق. وإتاحة هذه الفرصة للأمير، على هذا النحو الدستوري البرلماني الطبيعي، يكفي سموه مؤونة الالتجاء إلى الرسائل الدستورية العنيفة كاستعمال حقه في إقالة الوزارة أو إعفاء بعض الوزراء من مناصبهم". فمفاد هذا النص ومدلوله، وما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور من تفسير له، بأن إعادة تشكيل الوزارة عند بدء كل فصل تشريعي، وتنحية الحكومة السابقة، تفتح صفحة جديدة من الثقة بين المجلس والحكومة الجديدة، ولو عين أعضاؤها كلهم أو بعضهم من الحكومة السابقة، باعتبارهم حائزين ثقة الأمير والأمة بأسرها. كما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور.ومن هنا فإن المسؤولية السياسية للحكومة الجديدة تبدأ من تاريخ بداية الفصل التشريعي عن ممارسة الحكومة الجديدة لاختصاصاتها، وتنقضي المسؤولية السياسية نهائياً عن أعمال الحكومة السابقة ولو عين بعض وزرائها في الحكومة الجديدة. وبذلك تكون ثقة الأمير والأمة بوزير الصحة في الحكومة السابقة، وإعادة تعيينه في الوزارة التي شكلت عند بدء الفصل التشريعي إعفاء له من المسؤولية السياسية عن أعماله في الوزارة السابقة، لأن الأمير بهذا الاختيار للوزير السابق، لم يستخدم حقه كما قررت المذكرة في: "إحلال وزير جديد محل من لم يكن من الوزراء السابقين عند حسن ظن الأمير والأمة به".