معضلة الطائرات بلا طيار
بدأت الولايات المتحدة تستعمل الضربات الجوية بالطائرات بلا طيار لقتل الإرهابيين المشتبه فيهم في الخارج خلال عهد الرئيس جورج بوش الابن، ثم تسارعت هذه العمليات في عهد أوباما، حيث تستهدف تلك الضربات قادة إرهابيين رفيعي المستوى، فضلاً عن إرهابيين عاديين والبنى التحتية التابعة لهم، ومنذ عام 2004 أطلقت الولايات المتحدة أكثر من 14 ألف ضربة في أفغانستان، وباكستان، والصومال، واليمن وحدها.أصدر الرئيس جو بايدن بعد وصوله إلى الرئاسة مباشرةً أمراً يقضي بمراجعة هذه المقاربة، وأعلن أن البيت الأبيض يجب أن يعطي الإذن بتنفيذ جميع الضربات الأميركية بطائرات بلا طيار خارج مناطق الحرب الناشطة حتى انتهاء المراجعة. ستُقيّم هذه المراجعة على الأرجح الظروف التي تبرر السماح بشنّ ضربات مماثلة، فإلى أي حد تستطيع الولايات المتحدة أن تتأكد من أن الضربة لن تترافق مع سقوط المدنيين؟ وهل سيضطر الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية للإبلاغ عن عدد الضحايا أمام الرأي العام؟ وما مستوى التهديد الذي يبرر شن ضربات مماثلة؟ لكن قد لا تطرح المراجعة أهم سؤال في هذا المجال: هل تدعم الضربات بالطائرات بلا طيار الأهداف العسكرية وخطط مكافحة الإرهاب الأميركية؟تكشف الأدلة المشتقة من سجل الضربات الأميركية في باكستان أن هذه الاعتداءات قد تُحقق أهدافاً معاكسة، وقد تؤدي الضربات التي تقتل الإرهابيين إلى زيادة الاعتداءات الإرهابية في نهاية المطاف بدل تخفيفها، كما أنها تترافق مع سقوط عدد هائل من الضحايا المدنيين: وفق استنتاجات بعض الدراسات، يكون ثلث الضحايا من المدنيين، لكن دراسات أخرى تشير إلى تجاوز العدد الحقيقي هذه العتبة.
يُفترض أن تأخذ مراجعة إدارة بايدن بالاعتبار جميع الخيارات السياسية المحتملة، ونظراً إلى تراجع فاعلية الضربات بالطائرات بلا طيار وارتفاع كلفتها، قد يقضي أفضل خيار بالتخلي عنها نهائياً.في باكستان مثلاً، أدت الضربات الأميركية بالطائرات بلا طيار ضد القادة الإرهابيين إلى تعقيد المفاوضات التي كانت الحكومة الأفغانية تُنظّمها مع الجماعات الإرهابية من وقتٍ لآخر، فقد وافق زعيم "تحريك طالبان باكستان"، وهي واحدة من أخطر الجماعات في باكستان، على المشاركة في محادثات السلام مع الحكومة الباكستانية في عام 2013، لكن قُتِل هذا الرجل قبل يوم من موعد اجتماع الطرفَين بضربة أميركية، وفي تلك الفترة، أعلن وزير الداخلية الباكستاني أن هذه الحادثة دمّرت جميع جهود السلام، وسرعان ما انقسمت جماعة "تحريك طالبان باكستان" إلى ثلاثة فصائل وبلغت الاعتداءات ذروتها. يجب ألا تكتفي مراجعة بايدن إذاً بتقييم ظروف تنفيذ الضربات الأميركية بالطائرات بلا طيار، بل يُفترض أن تجيب أيضاً عن سؤال أكثر أهمية: هل تخدم هذه الضربات المصالح الأميركية؟ استناداً إلى تجربة باكستان، تكشف أدلة كثيرة أن هذا النوع من الاعتداءات لا يحمي المواطنين الأميركيين لكنه يقتل عدداً كبيراً من الأبرياء، ولهذا السبب، يجب أن تتأكد مراجعة بايدن من تطابق هذه النتائج مع أماكن أخرى، لا سيما أفغانستان، حيث عجز الباحثون من خارج أوساط البنتاغون عن استخلاص الاستنتاجات نظراً إلى قلة المعلومات العلنية حول تلك الضربات.إذا كانت الضربات الجوية بالطائرات بلا طيار غير فاعلة خارج باكستان أيضاً، فمن الأفضل أن يتخلى عنها بايدن بالكامل، لكن هذا الخيار سيكون صعباً من الناحية السياسية لأنه قد يواجه سيناريو مريعاً إذا أطلقت جماعة إرهابية بقيادة شخص كان يمكن استهدافه بالضربات الأميركية اعتداءً أسفر عن مقتل عدد من الأميركيين، إنها نتيجة كارثية حتماً، لكنّ قتل قائد تلك الجماعة قد لا يمنع أتباعه من إطلاق اعتداءات أخرى، فقد قتلت الطائرات بلا طيار عدداً من قادة الجماعات الإرهابية في باكستان بين العامين 2004 و2015، ومع ذلك نفذت جماعاتهم في عام 2015 اعتداءات تفوق العمليات التي شهدها عام 2004 بخمس مرات، كذلك، تجازف هذه الضربات ضد القادة الإرهابيين بتجزئة جماعاتهم وزيادة ميلها إلى العنف وتصعيب مراقبتها.باختصار، يجب أن تراعي أي مراجعة للسياسة الأميركية هذا السجل المعقد، لطالما اعتُبِرت الطائرات بلا طيار أداة قليلة الكلفة والمخاطر لمكافحة الإرهاب، لكن تثبت الأدلة المتاحة أن هذا التقييم ناقص في أفضل الأحوال ومخطئ في أسوئها.