يزداد ارتفاع المتاريس السياسية في لبنان أكثر فأكثر، والتي قد يضاف إليها مستقبلاً متاريس طائفية ومذهبية. إنها اللعبة المفضلة لدى مختلف القوى السياسية بهدف شدّ العصب واستعادة الشعبية أو الحفاظ على ما تبقى منها. الخلاف الأساسي الذي يطغى على المشهد حالياً هو أزمة تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، التي تبدو أقرب إلى «حرب إلغاء» بين الحريري وزعيم «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، فينعكس هذا «الصراع الوجودي» بين الرجلين، على حساباتهما الانتخابية والشعبوية، ويلجأ كل طرف إلى تسعير الخطاب الطائفي لشد عصب جمهوره وتحصين نفسه داخل بيئته الحاضنة.
وتلقى الحريري أمس دعماً مطلقاً من مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان، بعد أن اطلع المفتي على تفاصيل «معركة» التأليف في خلوة أعقبت مشاركتهما في اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في دار الإفتاء. وبحسب مصادر قريبة من الحريري، فقد كان اللقاء إيجابياً جداً، وتطابقت فيه وجهات النظر بين المفتي والرئيس المكلف، في حين استعرض اجتماع «المجلس الشرعي» كل مراحل تكليف الحريري والعقبات التي تعترض طريقه، ولكل الخيارات المتاحة، والتي يمكن تلخيصها بـ 3 سيناريوهات: الأول يتمثل في الذهاب إلى مبادرة جديدة تؤدي إلى تشكيل حكومة، والثاني هو البقاء على نفس الموقف أي لا اعتذار ولا تنازل للتشكيل، أما الثالث فهو الاعتذار والذهاب إلى المعارضة الشرسة تحضيراً للانتخابات النيابية. إلا أن الموقف الذي صدر عن المجلس الشرعي كان واضحاً لجهة دعم الحريري ورفض المساس بصلاحيات رئيس الحكومة، واستخدام اللغة الطائفية والمذهبية والغرائزية، وهو ما سيعطي دفعاً للرئيس المكلف للاستمرار في مهامه.وكان الحريري تحدث في أوساطه أمس الأول أنه في حال وصلت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى طريق مسدود فإنه سيعتذر، وتلقى نصيحة بإعداد تشكيلة وزارية والذهاب بها إلى قصر بعبدا وتسليمها لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي سيرفضها، وهو يعطي مبرراً للحريري للاعتذار وتحميل المسؤولية لعون وفريقه. في تلك الأثناء، بادر بري إلى الاتصال بالحريري لثنيه عن الاعتذار وإقناعه بالانتظار، كذلك فعل رؤساء الحكومة السابقون الذين يرفضون بشكل مبدئي الخطوة، وسيعقدون اجتماعاً مع الحريري للبحث في كل الخيارات المطروحة وماهية القرار الذي يجب اتخاذه.تحصل كل هذه الحركة السياسية الداخلية، وسط غياب كامل للمتابعة الخارجية الحثيثة للتفاصيل واليوميات، بينما الفرنسيون لا يزالون في حالة ترقب لما ستفرزه مبادرة بري. وفي حال اصطدمت بجدار مسدود، حينها لا بد من البحث عن خيار بديل، وهو ما قد يدفع مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل المكلف الملف اللبناني إلى زيارة بيروت بحثاً عن تسوية قابلة للحياة.في المقابل، لا يزال موقف عون وصهره باسيل برفض التنازل للحريري على حاله، من خلال الإصرار على رفض السماح له بتسمية وزيرين مسيحيين رغم أن هذا حق دستوري لرئيس الحكومة. هذا كله يقود إلى خلاصة واحدة هي أن عون لا يريد تشكيل حكومة برئاسة الحريري، ويضع العراقيل في طريق كل مسعى أو مبادرة، وفق ما تؤكد مصادر قريبة من رؤساء الحكومة السابقين، الذين يعتبرون أنه لا بد من الصمود على نفس الموقف وعدم التراجع، لأن زمن التنازلات قد ولّى.ويعتبر رؤساء الحكومات أن موقف عون بالتعطيل واضح، لأنه يسعى فقط لتعويم صهره سياسياً وتوفير مستقبله السياسي من خلال ربطه بالمسار السياسي الذي يسلكه الحريري، ويرى الرؤساء أن رئيس الجمهورية يحاول من خلال ادعاءاته بالعمل على استعادة صلاحيات الرئيس المسيحي أن يدير الدولة بكل وزاراتها ومؤسساتها بشكل فردي مخالف للدستور، ولذلك هو يعقد اللقاءات مع الوزراء والمديرين وكل المؤسسات ويعطي التوجيهات للجميع، ما يوحي بأنه الحاكم الأوحد، وربما هذا الواقع أكثر ما يستسيغه عون بناء على وجهة نظره باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية والانقضاض على الدستور واتفاق الطائف، لكن مكامن الخطر في مثل هذه الممارسات أنها ستؤدي إلى تعزيز النزعة الطائفية والمذهبية التي ستكرس مفهوم الانقسام والتوتر السياسي في المرحلة المقبلة على وقع توسع رقعة الانهيارات المتتالية.
دوليات
سعد الحريري يتحصن «سنياً» ويدرس «الاعتذار» بمواجهة خرق عون للدستور
13-06-2021