نشر فلاديمير بوتين لائحة "الأعداء" الجديدة، وهي تقتصر على بلدَين: الولايات المتحدة طبعاً، وجمهورية التشيك، فهل يصبّ هذان البلدان في الخانة نفسها أم يشكّلان عائقَين في طريق بوتين؟بلغت العلاقات الروسية التشيكية مرحلة شائكة بعدما كشفت السلطات التشيكية حديثاً أن العملاء الروس كانوا مسؤولين عن انفجار مستودع الذخائر فيها خلال العام 2014، وقد حصلت تلك العملية على الأرجح تحت إشراف السفارة الروسية في براغ، فقد كان الاعتداء الروسي يهدف برأي الكثيرين إلى منع شحن الإمدادات من المستودع التشيكي إلى القوات التي تقاتل الثوار المدعومين من موسكو في أوكرانيا أو خصوم الرئيس السوري بشار الأسد الموالي لروسيا.
إنه استفزاز حقيقي، لكن براغ لم تردّ كما كانت ستفعل واشنطن لأنها لا تملك نفوذاً كبيراً بقدر الولايات المتحدة، ولهذا السبب، يضطر القادة في جمهورية التشيك لمقاربة المسائل بطريقة مختلفة عن الرؤساء الأميركيين، ومع ذلك لطالما طرح الوجود "الدبلوماسي" الروسي في براغ مشكلة حقيقية، لذا أمرت وزارة الخارجية بطرد 18 دبلوماسياً روسياً بعد تصنيفهم جواسيس أو عملاء سريين، مما يعني تقليص الوفد الروسي في براغ ومساواته بحجم الوفد التشيكي في موسكو.دعم الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو جمهورية التشيك في هذه المواجهة، وهو موقف صائب، وبعد وضع جمهورية التشيك والولايات المتحدة على لائحة أعداء بوتين، قد يفترض الكثيرون أن المجال بات مفتوحاً أمام تعميق التعاون بين البلدين لكنّ المسألة ليست بهذه البساطة، إذ يختلف الخيار الذي تواجهه جمهورية التشيك عن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، فهي لن تختار بين التنازل عن جزء من سيادتها لبروكسل أو الوقوف وحدها بكل فخر، بل يجب أن تختار بين التنازل عن سيادتها لبروكسل والخضوع لهيمنة قوة أكبر حجماً: روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة، حيث يدرك التشيكيون، أو جزء كبير منهم على الأقل، أن بلدهم سيكون مجرّد شريك صغير في أي تحالف مع واحدة من تلك القوى العظمى، مما يعني أن أي اتفاق مماثل لن يعكس "شراكة" حقيقية بمعنى الكلمة.لكن لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بمصداقية كبرى رغم حفاظها على مكانتها كقوة عظمى، وبعبارة أخرى، تُعتبر واشنطن قوة عملاقة ونافذة لكن لا يثق بها أحد.يقول الرئيس الأميركي جو بايدن إنه سيجعل تجديد التحالفات الأميركية محور زيارته إلى أوروبا في نهاية الشهر، لكن حتى لو كان مخولاً لأداء هذا النوع من المهام (من الواضح أنه ليس كذلك)، قد يبقى هذا الهدف بعيد المنال، ويخطئ من يفكر باحتمال فصل السياسة الخارجية الأميركية عن اختلالات السياسة الداخلية، مع أن عدداً كبيراً من المحللين "الواقعيين" المزعومين أطلق توقعات غير واقعية حول هذه المسألة، كذلك، يستحيل تجاهل تفاقم تلك الاختلالات بسبب أداء بايدن وحلفائه الذين يطبقون مبدأ الانسحاب قبل أن تتعقد الأوضاع، ومن المتوقع أن يقدّم المدافعون عن الرئيس بايدن الحجج التي استعملها قبلهم مؤيدو دونالد ترامب، أي الفكرة القائلة إن الحزب الآخر عنيد وغير قابل للإصلاح لدرجة أن تصبح الجهود الرامية إلى حصد الإجماع أو عقد التسويات غير مجدية أو بمثابة "خيانة". لقد تبنى مناصرو الطرفَين هذا النوع من الخطابات الانتحارية، ونتيجةً لذلك، سيضطر الأميركيون لخوض حرب باردة جديدة مع الصينيين والروس وحرب أخرى في ما بينهم.قد يفترض الكثيرون أن جمهورية التشيك ستلجأ تلقائياً إلى الدولة الوحيدة الأخرى على لائحة البلدان التي يستهدفها بوتين اليوم لضمان أمنها الذي تعجز عن اكتسابه من تلقاء نفسها، لكنّ النظرة التي تحملها براغ تشبه إلى حد كبير نظرة جميع الأطراف الأخرى: يلاحظ حلفاء واشنطن حقيقة ما يحصل في الولايات المتحدة بقدر الأميركيين، ويستطيع أعداء واشنطن أيضاً ملاحظة ما يحدث.
مقالات
عائقان أمام بوتين
15-06-2021