هوامش... أمازيغية (1-3)
بادرت بعض دول شمال إفريقيا "بسحب ورقة الهوية الأمازيغية" من التنظيمات الانفصالية، كما جاء في الصحف! وأضافت "الشرق الأوسط" في تقرير عن الجزائر قبل أعوام، أن التنظيم الانفصالي "يسعى إلى استقلال منطقة القبائل في شرق البلاد التي يتحدث سكانها باللغة البربرية"، وقالت إن وزارة الداخلية الجزائرية أصدرت لأول مرة بيانا مكتوبا بالأمازيغية، ولكن بالأحرف اللاتينية، بدل حروف "التيفيناغ" الأصلية التي استعملها سكان شمال إفريقيا الأمازيغ قبل آلاف السنين، وتناول البيان بدء عملية تسجيل الحجاج لموسم الحج المقبل 11/ 1/ 2018، وجاء في الصحيفة كذلك أن وزيرة التعليم "نورية بن غبريت" قد أعلنت توسيع تدريس اللغة الأمازيغية إلى عشر ولايات إضافية، بعدما كان تعليمها منحصراً في ولايات القبائل وعددها خمس. وقالت الوزيرة إن الحكومة ستوظف 300 مدرس لغة أمازيغية في سبتمبر 2018، وقال الطبيب "كمال الدين فخار"، أحد رموز النضال من أجل اعتراف الدولة بـ"البعد الأمازيغي في ثقافة الجزائريين" إنه إلى وقت قريب "كان الاعتزاز والنضال من أجل الحفاظ على الهوية الأمازيغية جرما، يصنف ضمن جرائم الإرهاب والمساس بأمن الدولة". هذا عن الجزائر فماذا عن المغرب؟ تقول بعض المراجع إن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في "المغرب" ويتحدث بها 65% من السكان، ولكن 50% من السكان يتكلمون "اللغات البربرية" Berber Languages، وتشمل التاشلهت Tachelhit والتمازيغ Tamazight، والترافيت Tarafit في الريف.اشتريت من المغرب كتيبا بعنوان "لنتكلم الأمازيغية"، لأرى بنفسي كم تقترب هذه اللغة من العربية وكم تبعد، تقول المقدمة أو "الـتوطئة" إن المتتبع للغة الأمازيغية يلاحظ حاليا- الكتاب صادر عام 2004- أنها تتكون من مجموعة لهجات موزعة بين قسمين رئيسين: "القسم الصحراوي"، و"القسم الشمالي الساحلي"، وتندرج أوجه الأمازيغية بالمغرب في إطار القسم الثاني، وتقول التوطئة "تداخلت كثيرا اللغة الأمازيغية مع اللغة العربية"، غير أنني لم أجد ذلك "كثيرا" بعد تصفحي أقسام الكتيب مقارنة بالفارسية والأردية والتركية مثلا، حيث تمتلئ قواميسها بالكلمات العربية.
ولكني وجدت الضمائر في الأمازيغية منفصلة للمذكر والمؤنث والمثنى والجمع وهي مختلفة تماما حسب موقعها وقد تتماثل أحيانا، فمثلا "نتان" تعني هو، و"نتّات" هي، و"نوتن" هما أو هم، و"نوتنمت" هُنّ، وترجمة عبارة "هذا هو السائق" هاشّفور، وهذه هي الطبيبة "هاتضبيبت"، و"هؤلاء هم رجال البوليس" غْوِدْ لْبوليس، ومن الكلمات التي لفتت نظري "أفقير" بمنعى شيخ، وتغني كلمة "إشوا" (وسيم) و"إفلّس" (قبيح)، وبقية الأوصاف والكلمات لا تقترب من العربية إطلاقا. وكلمة واحد هي "يان"، وتسعة تشبه العربية "تزا" Tza وكذلك عشرين وهي "عَشْرين". ولكي تقول أربعين "سِن إد عَشْرين" أي (عشرينان!)، والمئة "مية"، أما "ميهْ ديان" فتعني مئة وواحد، والألف "ألف" كالعربية، والتاسعة صباحاً هي "تْزَات نصباح"، وتشبه أسماء بعض الأقارب التسمية العربية، فمثلا "بابا" بمعنى أبي، و"إمِّ" lmmi بمعنى الأم. ومن الكلمات الطريفة "زعطوط" أي قرد و"أفلوس" Afolous بمعنى ديك، ويسمى الماء "أمان" وهي كلمة تبقى في الذاكرة، وكذلك كلمتا الخل والزيت "لْخِلْ" و"زيت" وكذلك "سكر" و"تفاح" و"لْخوخ" و"لمّوس" أي السكين! وتسمى المخدة "لْمسندَة". ومن الكلمات العجيبة "تمزكدا" Timzghida أي مسجد وNsbitar أي مستشفى، وصانع الأحذية أو الإسكافي يسمى "أَخراز" وتقترب من كلمة "الخراز" باللهجة الكويتية القديمة لصانع أو مصلح النعل.وقد تشبه اللهجة السعودية فمثلا عبارة "نعم، موجود" تقول بالأمازيغية "إياه، إلّا!" وربما كانت النصوص الأمازيغية الأدبية والدينية تحتوي على عدد أكبر من الكلمات العربية والأوروبية. وجه أحد المغاربة سؤالا الى "مجلة العربي" قبل سنوات بعيدة فقال: "قرأت في بعض الكتب أن البربر الذين استوطنوا شمال إفريقيا من أصل أوروبي.. فهل هذا صحيح؟ والى أي أصل من أصول الأجناس ينتمون؟ وكان جواب المجلة" "البربر الأصليون لا يعرفون من أين نزحوا وقد اختلطوا بالفينيقيين على عهد قرطاجنة، ثم بالرومان، ثم بالقبائل والجيوش العربية بعد الفتح الإسلامي، وهم يعيشون الآن في جبال الأطلس بشمال إفريقيا كجزء من الشعب العربي.ولعل الذي قرأته هو أن اليونانيين والرومان كانوا يطلقون اسم "البربر" على الشعوب الجرمانية والمغولية التي اجتاحت الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث والرابع والخامس". (العدد 17، أبريل 1960، 158). وتقول بعض المراجع إن "شعوب البربر" تسمي نفسها lmazighen، وقد ورد أول ذكر لها في النقوش المصرية الفرعونية من المملكة القديمة، وقالت إن مجموعة لغات الأمازيغ تتحدث بها شعوب عديدة خارج المغرب في شمال إفريقيا، من واحة "سيوة" بمصر حتى المحيط الأطلسي، ومن نهر النيجر حتى البحر المتوسط، وتنتمي لغة الأمازيغ إلى مصر الفرعونية، وهي من أصل سامي، وتتبع لغات القرن الإفريقي شرق القارة، وإن من قبائل البربر "صنهاجة" و"مصمودة" و"زناتة"، وفي لغاتها بعض الكلمات ذات الجذور العربية أو اللاتينية، كما دخلتها كلمات أوروبية اليوم، وتعتبر بعض المراجع "الطوارق" بمثابة "بدو البربر"، وأن معظم من يتحدث "البربرية" في المغرب هم سكان منطقة "الريف" وجبال أطلس و"وادي سوس" و"الطوارق"، وفي تونس أهل جزر "جربة"، وفي ليبيا سكان "جبل نفوسة".وتحدث المستشرق المعروف "روم لاندو Landau في كتاب "الإسلام والعرب"، بيروت 1962 فقال: "دخل اسم "البربر" في الاستعمال الغربي خلال الحقبة الرومانية، وقد اشتق من اللفظة اللاتينية التي تقابل كلمة "بربري" Barbarian، بيد أن البربر لا ينظرون إلى أنفسهم هذه النظرة، ولكنهم يسمون أنفسهم "إيمازرهين" imazirhen أي الرجال الأحرار أو النبلاء. ولقد تحدث كثير من الكتّاب، خطأ، عن أمة بربرية، وكأن البربر شعب واحد ذو لغة مشتركة، والواقع أنهم ليسوا أكثر من جماعات يمكن القول إن بينها مشابه كالتي تكون بين أبناء العمومة، وقبل دخول البربر في الإسلام كانوا في الأعم الأغلب عبدة طبيعة وأوثان تمازجوا مع بضع أسر نصرانية ويهودية، حتى إذا دخلوا في الإسلام تكشفوا عن تعصب للدين الجديد، ولكن من غير أن يتخلوا تخليا كاملا عن بضع معتقداتهم الوثنية، وهذه الفكرات الوثنية لم تعدّل ممارستهم للإسلام فحسب، بل عدلت فكرات جيرانهم العرب أيضا، وإن اشتراك العربي والبربري في التكوين الديني والعرقي قد ساعد على منح مراكش صفة مميزة عن أيما بلد إسلامي آخر". (الإسلام والعرب، ص139).ويتحدث المؤرخ د. حسن مؤنس في حاشية "تاريخ التمدن الإسلامي"، لجرجي زيدان، عن شعوب شمال إفريقيا فيقول: "كان سكان المغرب قبل الفتح الإسلامي ثلاث طوائف: الأولى الروم أو البيزنطيون، وكانوا يحكمون إفريقيا (تونس) وربما امتد سلطانهم إلى بعض أجزاء من سواحل المغربين الأوسط والأقصى وكان عددهم قليلا، ولكنهم كانوا على درجة كبيرة من التحضر وكانت ديانتهم المسيحية، وكان مركزهم الرئيسي ميناء قرطاجنة، والثانية طائفة الأفارقة، وهم جماعات من أهل البلاد خالطت البيزنطيين- والرومان قبلهم- وأخذت حضارتهم ولغتهم ودينهم، وربما تزاوجت معهم، وكانوا قلة في البلاد ولكنهم كانوا يتولون الوظائف الكبيرة ويقومون بالتجارة وشؤون المال، ومن هنا فقد كان لهم دور عظيم في تاريخ البلاد قبل الإسلام. والطائفة الثالثة هي البربر وهم أهل البلاد الأصليون والغالبية العظمى من سكانها، وهم جنس أصيل قديم ينقسم بصفة عامة إلى قسمين كبيرين: الأول البربر المستقرون، سكان السهول الساحلية وبعض الأراضي الصالحة للزراعة في الداخل، ويسمون البربر الرحل الذين يسكنون البوادي والجبال، ويعيشون عيشة قريبة مما كان عليه العرب الجاهليون، ويسمون البربر البتر، ويمثل القسم الأول وهم البربر البرانس الصنهاجيون، أما الرحل البتر فيمثلهم الزناتيون، وكانت الحروب مستمرة بين زناتة وصنهاجة قبل الإسلام وبعده". (تاريخ التمدن، ج5، ص19).يتبع غداً،،،