أحب جامعة الكويت... لقلبي فيها ذكريات كثيرة، يوم كنتُ طالباً في كلية الهندسة والبترول، وحتى تخرّجت فيها عام 1982. أُسست الجامعة عام 1966، وشكّل تأسيسها حدثاً فكرياً علمياً ثقافياً اجتماعياً باقتدار، باحتضان الكويت لأبنائها من خريجي الثانوية العامة، والدفع بهم للحصول على الشهادة الجامعية، وهم على أرض وطنهم وبين أهليهم! لكن، مع الأسف تعيش الجامعة فترة مؤلمة من فترات مسيرتها التعليمية!
لقد قرع تراجُع الجامعة وفق تصنيف "QS" لـ 200 مركز، لتحتل المرتبة 1001، ناقوس خطرٍ مفزع في قلب كل كويتي ومقيم على أرض وطننا الغالي!إن وقوفاً مستحقاً أمام حال جامعة الكويت، وما يجري فيها، وما وصلت إليه، يتطلب بالضرورة تحرّكاً عاجلاً من أعلى المستويات، متمثلاً بمعالي وزير النفط وزير التعليم العالي د. محمد الفارس، مروراً بجمعية أعضاء هيئة التدريس، وبمكتب مدير الجامعة، وعمداء الكليات، وأن ينظر الجميع إلى أن تردّي مستوى التعليم الجامعي يعني بين أمور أخرى تردّي أهم ما يمكن أن نراهن عليه لشباب الكويت ومستقبلها!معيار تصنيف "QS" يأخذ في الحسبان: السمعة الأكاديمية، وسمعة الجهاز الوظيفي، ونسبة الطلبة إلى الأساتذة، ومعدل نقل المعلومة البحثية عن الأساتذة، ونسبة أعضاء هيئة التدريس من خارج الدولة، ونسبة الطلبة من خارج الدولة.وواضح لأيّ شخص أو جهة تتعامل مع الجامعة، تخبّطها في وحل كل عناصر المعيار، فأين الجامعة من سمعة أشخاص حصلوا على شهادة الدكتوراه بالتزوير؟ وأين سمعتها من أساتذة يقدّمون المادة العلمية نفسها لما يزيد على العقدين من الزمن؟ وأين سمعتها من إصرار بعض الأساتذة على أن تكون كتبهم هي مادة المقرر، وإلزام الطالب بشراء الكتب بأسعار فلكية؟ وأين سمعتها من مذكرات يقوم معيدون ببيعها للطبة بأسعار خيالية، مُدّعين أنها تحوي مادة المقرر؟وأين سمعتها من أساتذة يحاربون ليكون العبء التدريسي لهم خلال الفصل الدراسي الأول والثاني أقل القليل، وبمعدل دوام يومين في الأسبوع، ويتعاركون حتى الاقتتال للحصول على مكان في جداول ومكافآت الفصل الصيفي؟ وأين سمعتها من أساتذة أمضوا عقدين أو أكثر دون أن يتقدّموا ببحث واحد؟ وأين سمعتها من أساتذة يمارسون التدريس على طريقة مدرس الابتدائي والمتوسط، وفي أفضل الأحوال الثانوي؟وأين سمعة الجامعة من أساتذة تورطوا في جائحة كورونا، لأنها ألزمتهم باستخدام الكمبيوتر، وهم لا علاقة لهم بأيّ من برامج الكمبيوتر؟ وأين سمعتها من أساتذة يكلّفون مَن يكتب لهم بحوث الترقية، دون أن يكلّفوا أنفسهم مجرد قراءتها؟ وأين سمعتها من أساتذة يعتذرون عن عدم الحضور أكثر من طلبتهم؟! وأين، وأين، وأين؟ وطبعاً الحديث عن التدريس عن بُعد يُدمي القلب، فالامتحانات تُحلّ بمساعدة الأقرباء والأصدقاء، بل إن الأمر تطوّر إلى معيدين جنّدوا أنفسهم، من دون ضمير، لحلّ الامتحان للطالب عبر الهاتف وعبر "واتساب"، وبمقابل ماديّ مغرٍ!جامعة الكويت، وكحال الكثير من مؤسسات الدولة بحاجة إلى "نفضة" كبيرة، وبحاجة إلى متخصصين ومخلصين لتقويم مسيرتها، وهي قبل هذا وذاك بحاجة إلى إدارة جامعية بكفاءة علمية عالية، وبأمانة علمية صادقة، وبشغف علمي كبير، وبقدرة إدارة كبيرة من أجل لمّ شتات الجامعة، وعدم ضياعها، وضياع مستقبل أبناء الكويت وأبناء كل من يحيا على أرضها. لست بعيداً عن الجامعة ولا عن التدريس الجامعي، وكم يُحزن قلبي أن يصل إلى الجامعة طالب لا يُحسن كتابة الإملاء، وهو لا يتقن المعارف الأساسية لأي طالب متخرج في الثانوية العامة. وكم هي كبيرة الملاحظة التي تقول إن خريج الثانوية العامة في الكويت يعادل السنة الثامنة فقط، مقارنة بخريج الثانوية العامة العالمي!في هذه الزاوية كتبت مراراً: قبل كل شيء، علينا إعادة النظر الجاد بالمناهج الدراسية في مختلف مراحل الدراسة، وهاأنذا أكرر: المناهج الدراسية بائسة ومتخلّفة، وهي بحاجة إلى نسف وإعادة رسم لسياسة التعليم وبما يتماشى وروح العصر ونبضه، وإلّا فإن مصير أبنائنا في مهبّ الريح والألم!
توابل - ثقافات
آلام جامعة الكويت!
16-06-2021