في مجموعتها القصصية الجديدة "هكذا نعبُرُ إلينا"، اعتمدت الأديبة خديجة بن عادل بصورة جلية أسلوب التلميح لا التصريح، بلغة سلسة، مبسطة مفهومة للجميع تخللها الإضمار، والاختزال، وجعلت في كل قصة مفاتيح للولوج إلى عمقها، إما عن طريق العنوان، أو "القفلة" الصادمة المربكة، حيث تستفز القارئ، وتجعله يطرح عدة تساؤلات مهمة من نوعية "ما المغزى وما الرسالة؟".ونادرا ما تتعدد التأويلات والقراءات، وكلما كان ذلك متوافرا في العمل فإن القصة القصيرة جدا تكون قد وصلت إلى الهدف والغاية، وهي الخروج باستنتاجات كثيرة وأجوبة شافية لمن يحب التمتع بهذا الجنس المستحدث الذي يكابد من أجل فرض نفسه على الساحة الأدبية والإبداعية، فالقصة القصيرة جدا فن إبداعي يعتمد على اللغة المضغوطة المكثفة التي تتجلى في استخدام الرمز وأسلوب التشويق، قد نكتبها في 6 كلمات وقد تتعدى ذلك.
وتقول بن عادل، لـ"الجريدة"، "لي سنين طويلة أكتب بهذا المجال، وكنت أطلب رأي أساتذة ونقاد أجلاء كي أطوِّر من كتاباتي، وأكون على قدر من المسؤولية، تطرقت إلى موضوعات كثيرة ومختلفة منها الحياة، والحب، وفلسطين، والإنسانية، والسلام، والخيانة، والأمراض النفسية، والأنا وحب الذات، والألم، والحزن، والإرهاب، والتهميش، والعنصرية، والغش، والتمييز، والطلاق".ويقدم للمجموعة القصصية الناقد المغربي د. مسلك ميمون، حيث يقول: "بعد أكثر من عقد من الزمن، تفاجئني القاصة خديجة بن عادل بهذه المجموعة، فشعرت بمدى التغير والتحسن في كتابتها القصصية، بل شعرت بمدى الجهد الذي بذلته لترتقي بأسلوبها، ورؤيتها الفنية، وتعاملها مع عناصر القص، لأن أهم شيء في العملية القصصية ليس بالضرورة هو الحدث، فمهما اجتهد القاص فلن يأتي إلا بحدث رائج معروف مألوف، ولكن الأهم في ذلك كله كيفية التعبير عنه، وكيفية إيصاله إلى المتلقي في حلة فنية، وكأنه حدث غير مسبوق، فهنا تتجسد بوضوح القدرة على الكتابة والمسألة ليست هينة، كما يعتقد البعض عن غير علم، أو عدم وعي بما يجب، فالكتابة السردية القصصية فن يعتمد الجهاز الحكائي في شتى تشكلاته: من تسريد، وانزياح، وحكي، وتكثيف لغوي، وحذف، وتضمين، وإضمار، ومعجمية خاصة، تحقق الكتابة القصصية، وتغذي التغيير الدلالي، والإجراء التعبيري، والتسلسل المنطقي، ما يحقق القراءات المتعددة، في إطار ذات الفعل وذات الحال".القاصة خديجة بن عادل ـ بحسب قول ميمون - تميل إلى الأنثى كنموذج، وتجد أن أفكارها تنتعش في حضن الأنثى بمختلف صورها، وتموضعاتها الاجتماعية، والحياتية من دون محاباة، أو مجاملة، أو تعاطف ساذج، بل بعفوية وحياد، ورسم لواقع الحال، باعتبار أن الهدف من القصة، خلق إحساس بالحالة لا قول المعنى، فكما أن المرأة يمكن أن تكون عنصرا صالحا اجتماعيا من الممكن أن تكون العكس، فقد تستغل فيما هو غير صالح، كعملية إرهابية، الشيء الذي نجده في نص حية: "دخلت المرقص والعيون ترمقها، سحرت الألباب، تتلوى، تهتز في رقصها، تتصاعد الأنفاس الظمأى، تنحني باسمة، وبالكعب تدفع حقيبتها، تتسلل وتمضي... اختلطت الأشلاء".أما الشهادة من حيث الدراسة والتحليل فجاءت من طرف الأديب المغربي بوعزة الفرحان، الذي أعطى للمجموعة جهداً واضحاً في تفكيك مدلول كل قصة على حدة لتصبح بين يدي القراء ماتعة، وليست عصية الفهم، وهنا اقتباس مما جاء في دراسته القيمة:"نصوص المجموعة القصصية هي قطرات يفوح منها قلق الواقع المتغير والمتحول الذي لا يثبت على وجه واحد. واقع مقلق مُشكل وفق رؤية الكاتبة وموقفها من الحياة، وما يجري فيها من هموم وأحزان وألم مستمر. ومن هذا المنطلق، خلقت الكاتبة مواضيع متنوعة، اجتماعية ونفسية وعاطفية تمس الإنسان والحياة التي يعيش فيها، كدعامة يقوم عليها الإبداع الأدبي... هي مجموعة قصصية مبنية على الاختلاف وخرق المألوف، والسير نحو تجديد الرؤية، فالكاتبة خديجة بن عادل لم تقل كل شيء في كل قصة، لذلك اعتمدت على تشكيل البياض بالحذف والإضمار، من أجل إشراك القارئ، وترك مساحة لملء الفجوات المطمورة في النص. فقد لاعبت الكاتبة التجديد والتجريب بفنية أدبية راقية، بعيدة عمّا هو متداول من موضوعات، فركزت على كل ما يتعلق بالإنسان، بالحياة، والواقع، والتخييل. ومن أهم ما يلفت النظر في المجموعة المفارقات المتعددة والمتنوعة، وكثرة المعاني المضمرة، التلميح والإيحاء، واللغة الفنية البعيدة عن اللغة اليومية".
توابل - ثقافات
«هكذا نعبر إلينا»... خديجة بن عادل تلمِّح ولا تصرِّح
16-06-2021