محمد أبوزيد: الوزن والقافية لا يمنحان الشعر روحه
أول مبدع مصري لقصيدة النثر يحصد جائزة الدولة التشجيعية
أما تجربته كشاعر فتؤكد امتلاكه قدرة على التحليق في فضاء عوالم مدهشة، كما يتميز برؤية إنسانية رحبة ونظرة خاصة إلى العالم، الامر الذي أهله للفوز، أخيراً، بجائزة الدولة التشجيعية في الشعر الفصيح، فيما يُعد أول اعتراف رسمي من جانب جوائز الدولة في مصر بقصيدة النثر.
وفي حوار أجرته معه "الجريدة"، أكد أبوزيد أن فوزه يعتبر مصالحة تاريخية لقصيدة النثر، مشدداً على أنه لا يكتب لأجل الجوائز... وفيما يلي التفاصيل:
● كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة الدولة التشجيعية؟ وهل كنت تتوقعها؟
- كانت مفاجأة كبيرة لي لم أتوقعها، إذ لم يسبق أن فاز ديوان قصيدة نثر بهذه الجائزة، والعداء بين لجنة الشعر وقصيدة النثر تاريخي ومعروف، وحتى حين قدمت ديواني كنت أقوم بما ظننته وقتها واجبي وهو أن أفعل ما عليّ وأجرِّب، ثم حدث ما حدث. وأحد أسباب سعادتي أن اللجنة انحازت لروح الشعر في النهاية بغض النظر عن شكله أو صورته.
● هذه هي المرة الأولى في تاريخ جوائز الدولة التي تذهب فيها لقصيدة النثر... هل تراها استفاقة متأخرة؟
- نعم هذه هي المرة الأولى في تاريخ جوائز الدولة التي تحصل فيها قصيدة النثر على الجائزة، وكان معروفاً للجميع موقف لجنة الشعر من قصيدة النثر عموماً وأنها لا تعترف به ولا بشعرائه، رغم أن بينهم شعراء كباراً يكتبون منذ ستة عقود، وبعضهم بدأ بالقصيدة العمودية والتفعيلية ثم اختار أن يكتب قصيدة النثر، وهو ما يعني أن الأمر بالنسبة إليهم فهمٌ لروح الشعر ومغزاه الحقيقي. وعموماً أن يحصل أحد دواوين قصيدة النثر على الجائزة هو بمنزلة "مصالحة تاريخية" لهذا النوع من الكتابة، ولا يمكنني أن أقول إنها استفاقة متأخرة، فقصيدة النثر أثبتت وجودها إبداعاً وتنظيراً في العالم كله. لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.● يتوزع إبداعُك بين الرواية والقصيدة... بعد الجائزة الأخيرة هل ستكثِّف إبداعك الشعري؟
- لا يقاس الأمر بهذه الطريقة عند الكاتب، فأنا لا أكتب لأجل الجوائز، ولا أنتظر الجوائز حتى أبدأ مشروع كتاب جديد سواء كان شعراً أو رواية. أزعم أن لديّ همّي الشخصي الذي يخص الشعر، سواء بطريقة كتابته أو حتى تقديمه، وهذا الهم يصاحبني من ديوان إلى ديوان، وسيستمر ذلك سواء حصلت على جائزة أم لا. وفيما يخص الشعر مثلاً فأنا متوقف عن الكتابة منذ صدور الديوان، ما عدا قصائد قصيرة لن أضمها لديوان، لأني أطمح أن أقدم تجربة جديدة ومختلفة في الديوان القادم، وفي كل ديوان صدر لي كان يصاحبني هذا الشعور. وقد أنجح وقد أفشل. وفي ظني أن كتابة قصيدة جيدة هو مغامرة حقيقية، فإذا استكان الشاعر إلى طريقته التقليدية فلن يقدم نصاً جيداً ولا جديداً. وبالمناسبة، أعمل الآن على رواية جديدة.● ما الأجواء التي ينطلق منها ديوانك الفائز "جحيم"؟
- يبدو الديوان لمَنْ يقرأه كأنه يتحدث عن المستقبل، لكني كتبته في لحظة كنت أشعر فيها أنني عالق في الزمن الذي يمضي بي، ولا أعرف ماذا أفعل، لذا عدت إلى الماضي لأعرف ما الذي أوصلني إلى هذه اللحظة وهو ما قادني إلى المستقبل الذي حين طالعته اكتشفت كم سيكون سوداوياً، لأننا لم نتعلم من الماضي شيئاً.● إلى أي مدى أفادك توظيف تقنيات السرد القصصي والسينما والفن التشكيلي (مثلما جاء في حيثيات منحك الجائزة) في الخروج بديوان يمتاز بطابع مختلف؟
- لا يمكن الفصل بين الفنون بأي شكل من الأشكال، وأعتقد أن على المبدع أن يسعى للاستفادة من جميع التقنيات الفنية المتاحة في الفنون الأخرى لكي يقدم نصه الخاص. أساس الكتابة هو الحرية، وأظن أن أصل الخلاف بين كتاب قصيدة النثر والقصيدة التقليدية هو التقيد بقيدي الوزن والقافية رغم أنهما لا يمنحان الشعر روحه، بل هما مجرد شكل لا آخر. ولا أريد لقصيدة النثر أن تسقط في هذا الفخ أيضاً، وأن تضع لنفسها قيوداً تمنعها من الاستمرار في التطور، بل تحافظ على حريتها في التجريب والاستفادة من كل الأشكال الإبداعية الأخرى، فهذا ما يمنحها خصوصيتها واستمرارها.● تمتاز كتابتك بالبُعد الإنساني عموماً لكنك أيضاً تعزف على وتر الذات مثلما الحال في قصيدة "الإيميل الشخصي للشاعر"... هل هذا "سر خلطة" محمد أبوزيد الشعرية؟
- يقول الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث: "إن شعباً من دون شعر هو شعب من دون روح"، إذن فالشعر هو روح الإنسانية، لا يمكن اعتبار القصيدة قصيدة إذا لم تمس روح قارئها، وإذا لم تترك فيه أثراً. وما يبحث عنه أي شاعر في قصيدته هو المشترك الإنساني، أن تترك قصيدته التي قد تكون تحكي تجربته الشخصية، أثراً في قارئ من دولة أخرى على الجانب الآخر من العالم.. والقصيدة التي أشرت إليها ربما لا تكون تجربة ذاتية، وربما تمس مئات أو آلاف الأشخاص حول العالم الذين تصلهم يومياً رسائل بريد بالخطأ، وأعتقد أن دور الشاعر هو تحويل هذا الموقف الاعتيادي الذي نمر به جميعاً إلى لحظة شعرية، ومنحها بُعداً إنسانياً يكشف مأزق الإنسان المعاصر الذي أصبح محاصراً خلف أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة يحادث طرفاً آخر، ربما لا يكون موجوداً، فقط لمجرد كسر عزلته.● "مدهامتان" ديوانك الصادر أخيراً، إلى أي مدى يمثل مرحلة مغايرة في مسيرتك الإبداعية لقصيدة النثر في ظل انطلاقه من أجواء صوفية؟
- صدرت بالفعل قبل أيام الطبعة الثانية من ديوان "مدهامتان" عن دار "رواشن" بالإمارات العربية المتحدة، وهذا الديوان بالتحديد له مكانة كبيرة في قلبي، وأعتقد أنه نقطة تحوُّل كبيرة في كتابتي، وبه مساحة كبيرة من التجريب في الشكل والمضمون، ومحاولة صنع قصيدة جديدة ومختلفة، ومعارضة لقصائد سابقة لي أو لغيري، واستفدت فيه من التراث الصوفي والديني الذي عرفته منذ كنت طالباً أزهرياً معمماً، وقرأته طويلاً وسعيت وراءه، فضلاً عن تجارب صوفية أخرى مررت بها في حياتي، ومن المهم القول هنا إن الصوفية في الشعر ليست هي الإغراق في مفردات مغلقة، وليست البحث عن "الله" كما في الصوفية الدينية، بل هي البحث في الوجود ذاته.وربما يكون هذا الديوان بمنزلة تجربة فاصلة في كتابتي بحيث لا يشبه ما كتبته بعده ما كتبته قبله والعكس، لذا فأنا سعيد بإعادة طبعته، وأتمنى له أن يُقرأ على نطاق واسع.● ما المشروع الأدبي الذي تعكف عليه الآن؟
- أعمل حالياً على روايتي الثالثة، لكنني بطيء جداً في كتابة الرواية، فروايتي الأولى "أثر النبي" استغرقت كتابتها سبع سنوات، وكذلك روايتي الثانية "عنكبوت في القلب" استغرقت سبع سنوات، ولا أعرف ما مصير الرواية الجديدة.. وأتمنى أن أبدأ خلال الفترة المقبلة كتابة ديوان جديد.