معضلتنا أن طرق حكمنا دوما تؤدي للأبيض أو الأسود مع استبعاد الرمادي والأبيض المنقط بالأسود، والأسود المنقط بالأبيض، واللون الرمادي وإن كان يحمل دلالات سيئة في ثقافتنا لكن لون الرماد أيضاً انبعث منه الرخ أو طائر الفينيق بعد احتراقه ليعيش ألف عام أخرى كما تقول الأساطير، ونحن فعلا اليوم نحتاج في ظل الجمود الحاصل في شتاء قضايانا المحلية لانبعاث الرخ أكثر من رمادية ثقافتنا، فلا الأبيض مناسب ولا الأسود كذلك والطريق الثالث وحده سيخرج وعينا من اتجاهات لم تعد تفيده في شيء. الطريق الثالث في الحالة الكويتية يلغي نظرية أن هناك طرفاً مصيباً وطرفاً مخطئاً، ويؤكد أن هناك خيارا ثالثا تفرضه القراءة الجيدة للواقع المعيش، ويقول ماذا لو أن الطرفين مخطئان؟ الحكومة مخطئة في تعطيل جلسات المجلس بحجة عناد النواب، والنواب مخطئون في تعطيل المشاريع والقوانين التي تهم ناخبيهم بحجة تعنت الحكومة، فتعطيل الحكومة للجلسات بحجة مقاعدها يساوي ضرره تعطيل النواب لجدول أعمال الجلسات بحجة ضرورة رحيل الرئيسين عن مقاعدهما.
وفي حالة كهذه من التصحر التشريعي والرقابي ومجلس لا ينعقد إلا عدة جلسات طوال شهور عديدة سنخسر بلا شك بلح الشام التنفيذي وعنب اليمن التشريعي والرقابي، ولن ينالنا سوى حصرم خصام برلماني لا نهاية له، أو لا يراد له بالأحرى أن ينتهي كون تجارب السياسة علمتنا قبلاً أن بقاء المشاكل على حالها يخدم الساسة بشكل أكثر من حلها، فلا أحد طبعا يريد ذبح الدجاجة التي تبيض له ذهباً حتى إن كان المقابل بياض وجهه، وقميص عثمان عند أهل نفعية السياسة أفضل وأكثر فائدة من ألف لحاف يغطي قضايا شعبية أضناها برد التسويف وزمهريره. أخيراً: نصيحة أوجهها لكل مواطن وناخب بشرط أن يكون "عقله برأسه ويعرف خلاصه"، كما تقول الأمثال، عليك اليوم أن تملك زمام وعيك بيد خيارك وحدك، وألا تعطيه لغيرك، فأنت مصدر السلطات لا هو، ولكي لا تضيع بين حساب بيدر المجلس وحقل حقوقك الدستورية، فإن ما زرعته من ثمار أحلامك في الانتخابات و"تويتر" وسقيته بالأمل و"الهقاوي" وحقك بالسكن وحقك بالصحة وحقك بالتعليم وحقك في حرية التعبير وحقوق أخرى لن ينصفك بها حساب بيدر المجلس، وستباع بثمن بخس وفاتورة وعود وشعارات وخطب لا تساوي حبرها، في حين ملفات ثمار حقلك ترقد في غيبوبة أدراج اللجان ومقابر المضابط وأفواه العناية المركزة على مصالح أصحابها لا مصالحك. لذلك يجب أن تختار طريقك الثالث ورمادية رخ أملك الذي لن ينبعث إلا إن قلت وبالفم المليان كفانا هذا التوهان التنفيذي والتشريعي، وكفانا هذا الهراء البيزنطي، وكفانا هذا الخصام المدمر لكل دور وبنيان دستوري لمجلسنا، فلتصرخ بما سبق في وجه الحكومة والنواب وسماسرة السياسة معاً، فكلهم سواء ما دامت سيوف مساراتهم عليك وقلوب شعاراتهم لك.
مقالات
خارج السرب: كفانا توهاناً
16-06-2021