دوّن الكاتب طارق محمد مساعد الصالح في الصفحات الأولى من مجموعته القصصية "فريق البطاطس"، الصادرة حديثاً عن ذات السلاسل، جملة مختصرة مفيدة قال فيها: "شكراً للجانب المشرق من كورونا، الذي فجّر بعض المواهب الكامنة"، في ظاهر الجملة زهو بما أنجز، فهو ينظر إلى الكأس الممتلئة فلا يكترث بشيء آخر، لكن في باطنها ثمة أمور كثيرة، فالعتمة التي خلفتها الجائحة تتسع رويداً رويداً والمشكلات تتمدد وفترة مكوث كورونا تتضاعف وآثارها تفرض سطوتها على الإنسان والمجتمع والدول. وضمن هذا السياق، الذي يراه مشرقاً، يسكب الصالح أفكاره على نسيج القص فيسرد تفاصيل حكاياته مستقيها من تفاصيل حياته اليومية. من وحي جلسات "الشالية" ينسج الصالح أول الحكايات في مجموعته القصصية المعنونة بـ"بنیدر"، فيقول: "ينظر حسام إلى ساعته مدركا أن الوقت قد حان ليعود أدراجه، فقد قاربت الساعة الواحدة صباحا. لقد أمضى سهرته مع الرفاق في شاليه صديقهم خالد. ودع أصدقاءه واتجه نحو سيارته بمزاج عال بعد السهرة. ركب السيارة وأخرج هاتفه ليختار الأغاني المفضلة ليستمع إليها في الطريق، حيث كان هذا الوقت هو المفضل لديه للاستماع. كان يختار الأغاني التي تذكره بأيام المراهقة والشباب في الجامعة. كم تمضي الأيام بسرعة! فمن يصدق أنه قد مر عشرون عاما على تلك الأيام. وبينما لم يكن منتبها للطريق، وهو يعبث بهاتفه باحثا عن أغان تبعث فيه نوستالجيا الماضي، ارتجت السيارة ووضع حسام يديه على المقود وداس على المكبح برجله ليتحكم بالسيارة غير مدرك ما حصل. بعدما توقفت السيارة استوعب انه اصطدم بجسم ما، ولم ير أي شيء أمامه، حيث إنه قد أسقطه على جانب الطريق". ومن خلال هذا المجتزأ من القصة يظهر الحنين إلى الماضي بكل تفاصيله، ولا يبدو أن الذكريات فقط تخص حسام وحده، بل ثمة أمور أخرى يحن إليها، فالحياة في الماضي والتعليم وكذلك الفن المزدهر في تلك المرحلة، هي وحدة متكاملة للمجتمع، صحيح أن ثمة ذكريات خاصة به، لكنه هو يعيش ضمن منظومة مجتمعية متكاملة، كان يسترجعها في ذهنه، لكن حادث الاصطدام أخرجه من الماضي الجميل الذي يعيش حبيساً فيه.
وفي حكاية "فريق البطاطس"، التي تحمل عنوان المجموعة القصصية، يستمر الكاتب في استرجاع ذكرياته، ويَهِمُّ جاسم بإخراج هاتفه النقال من درج المكتب، ويفتح تطبيق الكتابة ويسجل في العنوان: فريق البطاطس! جلس يتأمل ويتفكر، ويتذكر أعضاء الفريق. لم تكن المهمة سهلة، فقد دارت أحداث هذا الفريق في الأيام الخوالي. أيام طفولة جاسم. يتذكر أنه شكل فريقا يدعى فريق البطاطس، وقد كان قائد ذلك الفريق. حاول أن يتذكر أعضاء الفريق. بلا شك كانوا من الأصدقاء. لعلهم من المدرسة أو الحي. لا يتذكر! حاول جاهدا أن يبحث في خبايا الذاكرة عن الأسماء أو الوجوه ليدونها في هاتفه. لم يفلح، ولكنه سيعاود المهمة. أغلق الهاتف ووضعه في درج مكتبه ثانية. تساءل إن كان من الأجدى أن يترك مهمة إعادة إحياء فريق البطاطس للأبد، بعد أن ضاعت في أدراج الذاكرة! يا لها من ذكريات أو لعلها مجرد أوهام ومن ضرب الخيال.تركز القصة على لعبة كرة القدم، فيسترجع الكاتب التنافس المحتدم بين فريقي القادسية والعربي آنذاك، حيث كانا يسيطران على المشهد الرياضي. ويصفها الكاتب: "يا لها من أيام، تلك الفرق العملاقة في الدوري الكويتي! كنا نعشقها، كنا من مشجعي نادي القادسية، وخصمنا من مشجعي النادي العربي. كنا نلبس الفانيللا الصفراء لنادي القادسية، والفريق الآخر الفانيللا الخضراء لنادي العربي، ونتبارى في الساحات الترابية في الفرجان. وبعد اللعب تبدأ المشادة الكلامية. وكان الفريق الخصم يستهزئ بلون الفانيللا الصفراء لفريقنا، فأسمينا فريقنا فريق البطاطس نسبة لذلك! كانت أياما جميلة ولكنها رحلت... أبناء اليوم لا يدركون أيا من الفرق المحلية. تسألهم فيردون بأسماء فرق الدوري الإنكليزي أو الاسباني. لقد رحلت أيامنا وفرقنا وذلك العصر الذهبي".من الواقع الثوري، الذي كان سائداً في الدول العربية، يسترجع المؤلف لمحات من هذه الفترة من خلال شخصية "ثوري" صاحب الاسم الغريب، الذي نزحت عائلته من الأردن لتستقر في الكويت، فيولد ويترعرع بها. أسماه والده بهذا الاسم الغريب تيمنا بالقائد عبدالناصر وحركة القوميين العرب التي نشأ عليها والـده. صاحبه قاسم من العراق، استقرت عائلته في الكويت كذلك منذ فترة من الزمن. عاش كلاهما أحداث الغزو العراقي للكويت عام 1990، ورغم عودة الكثير من العراقيين والأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية في غالبهم لديارهم.
الرحيل
ويستمر استرجاع الماضي في قصة "الرحيل"، لكن هذه المرة على لسان علياء، المرأة التي انتظرت زوجها قرب القاعدة العسكرية في الشارع العام، حيث لا يمكن الاقتراب بعد هذه النقطة لأسباب أمنية. بينما تنتظر جون أو جاسم، كما صار يعرف بعد زواجهما، استرجعت شريط الذكريات والأحداث التي وصلت بها إلى هذه النقطة. علياء، أو علوية كما كان يناديها أصدقاؤها، هي خليط من عدة أشياء. والدتها كويتية ووالدها سوري. درست في مدارس أجنبية في الكويت فأصبحت متأمركة، انفصل والدا علياء في سن مبكرة، نتيجة ضغط الأهل على والدة علياء لزواجها من غير كويتي. رغم ذلك لم تخرج نشأة علياء عن المألوف، وكانت حياتها طبيعية، إلى أن جاءت نقطة التحول في السنوات الأخيرة من الثانوية.مستر ويلسون وشركة نفط الكويت
من أجواء قصة «الأجنبيى»: «مازلت أسميه مستر ويلسون، رغم مرور السنين وتغير الأحوال، حيث كان مستر ويلسون مديري عندما بدأت حياتي العملية في شركة نفط الكويت. كان ذلك منذ زمن بعيد. والآن وبعد مرور كل هذا الوقت مازلت أحرص على الالتقاء بمستر ويلسون بين فترة وأخرى عند زيارتي للندن. وكانت زياراتي للعاصمة البريطانية كثيرة كحال كثير من الكويتيين، خاصة بعد أن أنعم الله علي في أعمالي وحققت نجاحا وثروة بشراء شقة فارهة، وأقمت في إحدى الضواحي المميزة في لندن. أيكون الفضل في ذلك لمستر ويلسون؟».