نشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريراً ومقابلات مع شخصيات جزائرية، 17/ 2/ 2018، إثر قرار الرئيس الجزائري حينها "عبدالعزيز بوتفليقة" إطلاق ترتيبات لإنشاء أكاديمية لتدريس اللغة الأمازيغية، وقالت الصحيفة احتدم خلاف كبير أخذ في أحيان كثيرة طابعاً أيديولوجيا بين فريقين، وأضافت: "الفريق الأول في هذا الخلاف هو من يسميهم الإعلام المحلي "بربريست" (نسبة إلى البربر، السكان الأصليين لشمال إفريقيا) يناضلون من أجل تدريس الأمازيغية في كل الأطوار التعليمية، وقطاع من هؤلاء انخرط في تنظيم انفصالي يطالب باستقلال منطقة القبائل شرق العاصمة الجزائرية) التي يتكلم سكانها- البالغ تعدادهم نحو 3 ملايين- اللغة الأمازيغية، أما الفريق الآخر فيشكله "العروبيون" الذين يعتبرونها أهم رافد للهوية ولا يرضون بديلاً عن العربية، التي حلت محل الفرنسية لغة تداول في الإدارات والمؤسسات الحكومية، وهذا خلال سنوات قليلة بعد الاستقلال عن المستعمر الفرنسي عام 1962".قابلت الصحيفة المؤرخ والباحث الأنثروبولوجي "امحند أرزقي فراد"، الذي برر الاهتمام المتنامي بالأمازيغية قائلا: لا يختلف اثنان عاقلان حول أمازيغية شمال إفريقيا، ومن ثم فإن المتحدثين بها ليسوا أقلية "ولم ير في هذا الاهتمام عامل تمزيق للجزائر بقدر ما هو في الحقيقة جدال بين إخوة في الجنس والعرق، احتفظ بعضهم بلغة الأجداد، وتعرب بعضهم الآخر بفعل انتشار اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن". وعن الأحرف التي تكتب بها هذه اللغة كمقدمة للنهوض بها قال :"الآن تُكتب بالأبجديات الثلاثة "التيفناغ" في الجنوب، و"الأبجدية العربية" في جبال الأوراس وغرادية، و"الأبجدية اللاتينية" في منطقة القبائل". وقال إن النخبة الفرنسية المهيمنة على الحركة، "هي التي تكفلت بالنضال من أجل إحيائها وترقيتها بالأبجدية اللاتينية، وهناك ألوف الكتب منشورة بها. أما في الجنوب فمن الصعب إقناع إخواننا الطوارق بالتنازل عن الكتابة التيفيناغية الأصلية ذات الحمولة الرمزية".
وهاجم المسؤول الحكومي السابق وأحد أبرز الباحثين الجزائريين بالمجتمع المدني د. "أحمد شنة"، المنحدر من منطقة الأوراس التي يتكلم سكانها "الشاوية" إحدى لهجات الأمازيغية، وقال: "لم نسمع في تايخ الأولين من الآباء والأجداد، منذ الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا، عن أي خروج للسكان المحليين عن سلطة الإسلام أو رفضهم اللسان العربي... بل على العكس تماماً من كل تلك المزاعم والأباطيل التي روجها المؤرخون الاستعماريون، ويرددها اليوم ببلاهة كثرة من أشباه المثقفين من أبناء هذه المدرسة الاستعمارية المغشوشة".وأضافت الصحيفة: "ويذهب عبدالرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي "حركة مجتمع السلم"، في الاتجاه نفسه تقريباً؛ إذ يقول: «أنا أتعجب من الحرب التي يريد بعض المغفلين والمتعصبين والسذج أن يشعلوها بين العربية والأمازيغية، وهم لا يدرون أنهم وقود فتنة كان ولا يزال الاستعمار القديم والجديد يشعلها بيننا ضمن قاعدة (فرق تسد). الأمازيغية والعربية كلتاهما مهمشتان في هذا البلد لصالح الفرنسية، والمؤامرة القائمة في الجزائر هي للتمكين للغة الفرنسية والثقافة الغربية الفرنسية، وليس للعربية أو الأمازيغية. العربية والأمازيغية شقیقتان... شقیقتان شقیقتان. كما هي الفارسية والعربية، والتركية والعربية والأردية وغير ذلك من اللغات التي انصهرت معاً ضمن الأخوة الإسلامية التي لا تفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى".وقالت صحيفة الشرق الأوسط: "وبخصوص الحرف الذي تكتب به الأمازيغية، يوضح مقري أن الأمازيغية "لغة موجودة من خلال لهجات متعددة منها الشاوية والقبائلية المزابية والترقية والشلحية... ولا يمكن تعليمها بفاعلية إلا ببناء هذه اللغة بناءً أكاديمياً يجعل لها (فصحى) تتيح للأمازيغ بمختلف لهجاتهم، أن يفهموا بعضهم بعضا".ورشّح "مقري" الحرف العربي للغة الأمازيغية لأن بعدهم الحضاري "ارتبط بالبعد الحضاري العربي الإسلامي"، وتطرق مستشار وزير الشؤون الدينية "عدة فلاحي" إلى تاريخ الأمازيغ ودخولهم الإسلام فقال: "إن الأمازيغ اعتنقوا أغلب الديانات والملل والنحل التي وفدت إليهم، من مجوسية إلى وثنية الى يهودية الى مسيحية... وأخيراً الإسلام الذي قبلوه وارتضوه واعتنقوه طواعية بعد مقاومته في البداية. استمرت هذه المقاومة لعشرات السنين بسبب طبيعة الأمازيغي المتمرد الرافض لكل من يريد أن يهيمن عليه، إلا أن المسلمين الفاتحين حينها فقدوا الكثير من خصائصهم الروحانية الأولى التي تربي عليها الجيل الأول من الصحابة، وتصرفوا مع الأمازيغ في البداية بصفتهم عربا، وهذا ما جعل الفتح الإسلامي عصيا وصعبا ومكلفا في البداية، ولكن يبدو أن هذه العقيدة العسكرية القديمة للمسلمين القادمين من المشرق، باستعلاء والتي استبعدت القاعدة القرآنية (إن أكرمكم عن الله أتقاكم) والقاعدة السنية المحمدية "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، خلفت عقدة ما زالت تتحكم في أمزجتنا الى اليوم، حتى على مستوى النخبة، سواء المعربة أو الأمازيغية".وانتقد "فلاحي" التعصب القومي البعثي فقال: "بعض المعربين البعثيين في بلادنا، أساؤوا التعامل مع المطالبين بإحياء الأمازيغية، ولذا شاهدنا ردات فعل متطرفة طالب أصحابها بكتابة الأمازيغية بـ"التيفيناغ" أو بالأحرف الفرنسية بدلا عن العربية، وكان هناك طرف آخر كان له رد فعل عقائدي بسبب سوء تصرف بعض المنتسبين للتيار الديني، أو ما يسمى أصحاب الإسلام السياسي الذين قدسوا اللغة العربية من باب تقديسهم للقرآن، وعلى حساب أي لهجة أو لغة أخرى، لدرجة أن بعض الأمازيغيين انقلبوا على أعقابهم وارتدوا عن الإسلام واعتنقوا المسيحية، بل ذهب البعض منهم إلى الدعوة لانفصال منطقة القبائل عن الجزائر وتأسيس دولة مستقلة خاصة بهم تحمل هويتهم، وهذا للأسف، بمباركة وتشجيع ودعم الكولونيالية الفرنسية القديمة التي تستثمر في خلافاتنا".(انظر مقال "الأمازيغية .. محور صراع "التعريب" و"التغريب" الشرق الأوسط 17/ 2/ 2020)وإلى جانب جهود "الأمازيغ" في النهوض بلغتهم وقوميتهم، تحمس "النوبيون" كذلك في مصر، لإحياء لغتهم، وإدخالها ضمن لغات الهواتف الذكية ووسائل الاتصال الحديثة، وقد أكدت صحيفة الشرق الأوسط عام 2018 أن بعض شباب النوبة يعكفون على إنتاج لوحة مفاتيح "كيبورد"، تتضمن اللغة العربية، كما يركزون على الترويج للأماكن السياحية النوبية وتسويق المنتجات والمشغولات اليدوية.وتقول "الموسوعة العربية الميسرة" إن سكان النوبة يتكلمون لغة خاصة بهم تنقسم الى فرعين رئيسين يختلفان في القواعد والمفرادت هي "لغة الكنوز" و"لغة الفيادتشي" أو "الماتوكي" وتتقاسم أراضي النوبة كل من مصر والسودان، وقد تم نقل السكان في البلدين إلى مناطق أخرى بعد أن غمرت مياه النيل المنطقة إثر بناء السد العالي وظهور "بحيرة ناصر"، وتضيف الموسوعة أن النوبيين عناصر حماية قديمة اختلطت بالعرب، احتفظوا بلغتهم الأصلية غير المكتوبة ويسمونها "الرطان" بجانب العربية وينقسم النوبيون إلى أفرع كـ"الدناقلة" و"المحس" و"السكوت"، ويدينون بالإسلام.يقول عصام فضل في تقرير صحافي: "يخوض النوبيون في مصر معركة ثقافية للحفاظ على لغتهم وتراثهم الثقافي، بين قطاعات أوسع من المصريين، خاصة الذين يجهلون هذه الثقافة، التي تمثل واحدة من نسيج المجتمع المصري، ويعاني النوبيون خاصة الأجيال الجديدة من إشكالية "ازدواج اللغة"، إذ بحكم انخراطهم في المجتمع يتحدثون باللغة العامية المصرية ويتلقون تعليمهم في المدارس باللغة العربية الفصحى، في حين أنهم يتحدثون فيما بينهم بلغتهم الأم، لكن هذه الازدواجية لم تكن المشكلة الوحيدة في الحفاظ على اللغة النوبية، إذ إنها ظلت حتى وقت قريب لغة شفهية يتحدث بها أهل النوبة لكنهم يكتبونها بالأحرف اللاتينية أو الإنكليزية وأحيانا العربية، وقبل سنوات اكتشف أحد الباحثين برديات نوبية قديمة قام من خلالها بجمع أحرف اللغة النوبية، ووضع قواعدها اللغوية، لتبدأ مرحلة الدورات التدريبية لتعليم الأجيال الجديدة لغتهم الأم".( الشرق الأوسط، 12 /1/ 2018).
مقالات
هوامش... أمازيغية (3-3)
17-06-2021