تنتقل المواجهة السياسية المفتوحة بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل من جهة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري من جهة أخرى إلى الشارع. لبنان اليوم على موعد مع إضرابات وتظاهرات واحتجاجات دعت إليها النقابات العمالية، المحسوبة تقليدياً على بري، لكنّ صدور بيانات للمشاركة من قبل تيار «المستقبل» وحركة أمل في هذه الاحتجاجات لم يترك مجالاً للشك بشأن هوّيتها السياسية.
ويعكس هذا تطور الخلاف السياسي من «صراع الكواليس» و«حرب البيانات»، إلى الميدان المطلبي، إذ ستحمّل الاحتجاجات عون مسؤولية تعطيل كل المبادرات لتشكيل الحكومة، وقد يتخللها طروحات سياسية من قبيل المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، بما أنه غير قادر على إنقاذ اللبنانيين في عهده من الأزمات المتلاحقة مالياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. دخول بري على خط أزمة عون والحريري وما تلاها من حرب بيانات بين رئاسة الجمهورية (الرئاسة الأولى) ورئاسة مجلس النواب (الرئاسة الثانية) يعني أن المعركة أصبحت بلا قفازات، وكل القوى السياسية كشفت عن مواقفها، وأن البلد قد انفلت سياسياً، وأصبحت أبوابه مشرعة على كمّ هائل من الأزمات، بينما يكتفي المجتمع الدولي بتقديم مساعدات إنسانية وغذائية، خصوصاً أن القوى السياسية لم تقدّم نموذجاً يحتذى لكسب الاهتمام الخارجي ولا للتقدم بالمبادرات التي يمكن أن تنتج حلولاً سياسية، وكأنّ ما يجري هدفه إنهاء دور لبنان، وهي مهمة مفترض أن يقوم بها الأعداء لا أبناء البلد. يرتكز بري في مواجهته مع عون على أن الأخير لا يريد الحريري رئيساً للحكومة، وهذا أمر لا يمكن تمريره دستورياً، لأنّ الحريري اكتسب تكليفه من السلطة التشريعية، ولا صلاحية لرئيس الجمهورية في إسقاط هذا التكليف، مما يعني طيّ صفحة اعتذار الحريري نهائياً في هذه المرحلة، خصوصاً أن الرئيس المكلف لم يعد قادراً على الخروج من الثوب الذي فصّله برّي. وبينما عمل الحريري على إعادة تحصين وضعه داخلياً من خلال الاصطفاف السنّي خلفه وكسب مواقف قوى سياسية، مثل بري وسليمان فرنجية، ونواب مسيحيين مستقلّين، إضافة إلى موقف وليد جنبلاط،، فإنّ عون يبدو وحيداً، وفي حالة عزلة مع تياره، في صورة مشابهة لصورته عام 1989. وقد حاول عون أن يستدرج حزب الله إلى جانبه، وعمل على تصعيد المواقف ضد الحزب، ووصل الأمر بتهديد احد قيادي «التيار الوطني الحر» بالخروج من اتفاق «مار مخايل» مع حزب الله، لكن بحسب ما تكشف مصادر متابعة قد تلقى رسالة واضحة من حزب الله، تفيد بأنه لا يمكن تخييره بين الوقوف إلى جانب أي طرف، فهو يدعم نبيه بري، ويريد الحريري لرئاسة الحكومة، ويحرص على العلاقة مع رئيس الجمهورية.ولا تخفي المصادر وجود توتر في العلاقة بين عون وحزب الله، وهذا التوتر قابل لأن يتصاعد أكثر في المرحلة المقبلة، في حال استمرّ عون على النهج نفسه.يعتبر حزب الله أن جبران باسيل يريد تعطيل كل الاستحقاقات في سبيل توفير فرصة تعويمه سياسياً وإعادة فرض نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية، لكنّ الحزب يرى أنه لا يمكن الوصول إلى الرئاسة إذا كانت علاقتك متوترة مع كل القوى الحزبية والطائفية في لبنان، وفي الحد الأدنى بهذه الحالة لا يمكن أن تفرض نفسك مرشحاً أوحد للرئاسة.يعيش لبنان أسوأ أيامه السياسية والاقتصادية والمالية. بينما رئيس الجمهورية لا يريد أن يخضع لكل هذه الاعتبارات، ولا يريد أن يتنازل عن أي من شروطه السياسية مهما كان الثمن، هو يتحضّر لخوض معركة مقابلة، تستند إلى خطاب طائفي يرتكز على تعزيز حقوق المسيحيين في مواجهة موقف سنّي وشيعي موحد، سيستغله عون للعب على وتر العصب المسيحي بالادعاء أن رئيس الجمهورية مستهدف بصلاحياته ودوره. هذا الواقع من شأنه أن يرفع منسوب التوتر، ويؤدي إلى انقسام عمودي حاد على أساس طائفي ومذهبي.
«اجتماع باريس» يمنح الجيش غطاءً مالياً
كشف مسؤول فرنسي أن قوى عالمية، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وقوى أوروبية ودول الخليج العربية، ستسعى لجمع عشرات الملايين من الدولارات لتقديم مساعدة طارئة للجيش اللبناني، في اجتماع افتراضي تستضيفه فرنسا اليوم، هدفه منع انهيار الجيش مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، والحؤول دون الانزلاق الى الفوضى الشاملة. وشدد مسؤول في وزارة القوات المسلحة الفرنسية، للصحافيين، مشترطاً عدم كشف هويته، على أن «الجيش اللبناني هو العمود الفقري للبنان، ويضمن عدم تدهور الوضع الأمني في البلاد، لذا تمثّل مساعدته على القيام بمهمته مصلحة مباشرة».وأضاف المسؤول أن الدعم المتوقع هو مجرد حلّ مؤقت، وأن المؤتمر لن يسعى لدفع رواتب وإنما لتقديم مواد غذائية وإمدادات طبية وقطع غيار لعتاد الجيش وحتى الوقود.وكانت الولايات المتحدة، الداعم الأكبر للجيش اللبناني، قد تعهدت بزيادة المساعدات في العام الحالي.وأكد مسؤول عسكري لبناني بارز لـ «أسوشيتد برس» أن الوضع الاقتصادي أثر بشكل كبير على الروح المعنوية للجنود، مشيراً الى «حالة استياء كبيرة» في صفوف الجيش.وأشار المسؤول إلى أن الجيش «لديه واجبات كثيرة»، تتضمن الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وأضاف، شريطة عدم الكشف عن هويته، تماشيا مع اللوائح، أن «قيادة الجيش قلقة بشأن تطورات الوضع الأمني على الأرض والقدرة على التعامل مع هذه القضية»، مشدداً على أن دعم الجيش «أمر حاسم» لتجنّب سقوط لبنان في الفوضى.ويُنظر للجيش اللبناني منذ فترة طويلة على أنه من المؤسسات القليلة القادرة على تجسيد الوحدة والفخر الوطني، وقد أدى انهياره في بداية الحرب الأهلية، عندما انقسم وفقا لانتماءات طائفية، إلى انزلاق لبنان في قبضة الميليشيات.من جهة أخرى، يحذّر كبير مستشاري برنامج الشؤون المدنية - العسكرية في الدول العربية بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، آرام نركيزيان، من أن تدهور الجيش سيسمح لحزب الله بأن يكون القوة الوحيدة المسيطرة، وهي نتيجة لا يريد معظم دول العالم، لا سيما واشنطن، أن تتحقق. كما يمكن أن يفتح ذلك الباب أمام دول مثل روسيا أو الصين أو إيران أو سورية لاستمالة الجيش، وإيجاد طرق للتأثير عليه.ودعا مصرف لبنان المركزي أمس، حكومة تصريف الأعمال لإقرار خطة ترشيد الدعم حتى تتسنى مساعدة الأشخاص الأشد احتياجاً، وقال، إنه لن يستخدم الاحتياطيات الإلزامية لتمويل الدعم.وأضاف البنك في بيان، بأنه "تمّ دفع ما يقتضي إلى المصارف لتلبية الاعتمادات" الخاصة باستيراد الوقود، بعد نقص تسبب في اصطفاف طوابير طويلة في محطات الوقود في أنحاء لبنان.