من صيد الخاطر: «حيص بيص»
![طلال عبد الكريم العرب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/1002_1667931751.jpg)
أما من طرائف "حيص بيص"، وقد عرف عنه تقعُّره بالمفردات، أن نقه يوما من مرض، فنصحه طبيب بأكل الدُّرَّاج، فأرسل غلامه للسوق ليأتيه ببعض منه، وفي عودته الى سيده، اجتاز الغلام باب أمير وغلمانه يلعبون، فخطف أحدهم منه الدُّرَّاج.أتى الغلام "حيص بيص" وأخبره بما حصل من غلمان الأمير، فقال له: ائتني بدواة وقرطاس، فأتاه بهما، فكتب إلى ذلك الأمير: "لو كان مبتزّ دُرَّاجة فتخاء كاسر، وقف بها السّغب بين التدويم والتمطر، فهي تعقّي وتسفّ، وكان بحيث تنقب أخفاف الإبل لوجب الإغذاذ إلى نصرته، فكيف وهو ببحبوحة كرمك؟! والسلام"، ثم قال لغلامه: امض بها وأحسن السفارة بإيصالها للأمير. مضى الغلام بالرسالة ودفعها للحاجب، فدعا الأمير بكاتبه وناوله الرقعة فقرأها ثم فكر ليعبِّر له عن المعنى، فقال له الأمير: ما هو؟ فقال: مضمون الكلام أن غلاماً من غلمان الأمير أخذ دراجاً من غلامه، فقال: اشتر له قفصاً مملوءاً دراجاً واحمله إليه، ففعل.المفردات التي أتى بها "حيص بيص" في رسالته الى الأمير لا يمكن فك رموزها إلا بمتبحر متقعر في اللغة مثله، فمن استطاع أن يكشف عن طلاسمها فليفدنا بمعانيها، أفاده الله في الدنيا ورحمه في الآخرة. نقول: ويل لأمة أوقعها أهلها في "حيص بيص"، فوسدت فيها الأمور الى غير أصحابها، فسادها الهرج، وكثر فيها الفساد، ولم يعد ناسها يفهمون ما يحاك لهم، ولا يعلمون ماذا هم فاعلون.