جو بايدن هو الخيار المثالي لأوروبا!
قد يتردد الأوروبيون في الانضمام إلى أي حملة أيديولوجية ضد الصين أو ضد الأنظمة الاستبدادية حول العالم إذا شعروا أن بايدن يحثهم على هذه الخطوة، فهم يريدون التأكد أولاً من استعداد بايدن لسماعهم بدل إبلاغهم بالمستجدات حول اجتماعه المرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أثناء تجوّل جو بايدن بين أرياف إنكلترا وبروكسل في خضم مشاركته في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، قد يتكلم الكثيرون في ما بينهم حول المخاوف الأوروبية من أن تعود الولايات المتحدة إلى سياستها الانعزالية خلال بضع سنوات، وأن تتقاسم السياسة الخارجية التي يطبقها بايدن تجاه الطبقة الوسطى بعض الخصائص المزعجة مع شعار "أميركا أولاً" الذي رفعه ترامب، حتى أن البعض يخشى أن تقسم "قمة الديموقراطية" التي اقترحها بايدن العالم إلى معسكرَين عدائيَين، عبّر عدد كبير من المسؤولين في العواصم الأوروبية عن هذه المخاوف في الأشهر الأخيرة، لكن تخفي هذه النقاشات أهم تطور على الإطلاق: يحقق جو بايدن أكبر آمال أوروبا.على غرار مجموعة كبيرة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين (من أمثال هوبرت هامفري، وويليام فولبرايت، وريتشارد لوغار، وجون كيري)، أمضى بايدن سنوات عدة وهو يروّج للولايات المتحدة في أوروبا، حتى أنه دعم أوروبا داخل الولايات المتحدة أحياناً، لكن لم يصل أيٌّ من هؤلاء المسؤولين إلى الرئاسة الأميركية. يُعتبر بايدن أول سياسي يدعم العلاقات العابرة للأطلسي ويصل إلى البيت الأبيض منذ عهد جورج بوش الأب، وقد يكون الأخير على الأرجح، ومن المستبعد أن يكون أي رئيس أميركي مقبل متأثراً بالحرب الباردة ومقتنعاً بأن الغرب هو مصدر القيم الليبرالية بقدر بايدن، إذ لم يكن الرئيس السابق باراك أوباما يحمل هذا التاريخ أو تلك الميول.في بعض المراحل، بدا وكأن الولايات المتحدة لا تتفق على أكمل وجه مع أوروبا وتميل إلى اتخاذ مواقف مختلفة عنها، وكان دفاع واشنطن عن براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية نقطة خلافية في المحادثات التجارية مع الحلفاء، لكن أخذت إدارة بايدن المبادرة اليوم ودعت شركات الأدوية إلى التنازل عن حقوق الملكية في مجال تصنيع اللقاحات لتسريع إنتاجها في الدول النامية، في حين أصرّ الأوروبيون على الدفاع عن حق تلك الشركات بجني الأرباح.
تتجه الولايات المتحدة اليوم إلى الانتصار في ملف كورونا، فمنذ فترة غير طويلة، بدا الوباء أشبه باختبار شاق نجح الصينيون في تجاوزه مقابل تعثّر الدول الديمقراطية والليبرالية، فبعد كبح انتشار فيروس كورونا سريعاً، بدأت الصين توزع أولى المعدات الواقية واللقاحات إلى الدول اليائسة حول العالم. لكن سرعان ما واكبت واشنطن تطورات الوضع، فأعلن بايدن أن الولايات المتحدة سترسل 80 مليون جرعة بحلول نهاية شهر يونيو وستوزع معظم تلك الكمية عبر الاتحاد الدولي المعروف باسم "كوفاكس"، وهو التزام إيجابي يتماشى مع دعم مبدأ التعددية. قد لا تغطي هذه الكمية إلا جزءاً بسيطاً من الطلب العالمي، لكن يقال إن الإدارة الأميركية توصلت إلى اتفاق مع شركة "فايزر" لشراء 500 مليون جرعة أخرى وتوزيعها خلال السنة المقبلة.تستطيع الولايات المتحدة اليوم أن تروي قصة إيجابية حول التعافي الاقتصادي، وطريقة التعامل مع فيروس كورونا، والتغير المناخي بدرجة معينة، علماً أن النجاح في هذا الملف يتوقف عموماً على التشريع الذي يحاول الجمهوريون إعاقته بأي ثمن. إلى جانب هذه المسائل المحورية، زاد التوافق حول الصين برأي المسؤولين الأوروبيين، حتى لو كانت إدارة بايدن تستعمل خطاباً صدامياً أكثر من معظم شركائها، حيث يقول مسؤول في مدريد: "سيجد بايدن اليوم دولاً تتقبّل أفكاره أكثر مما كان ليفعل منذ بضع سنوات"، وفي وقتٍ سابق من هذه السنة، أبرم دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي صفقة تجارية مع الصين لكنها أزعجت المسؤولين المرتقبين في فريق بايدن، لكن حين انضمت بروكسل إلى واشنطن لفرض العقوبات على الصين بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان في "شينغيانغ"، ردّت بكين عبر فرض عقوبات على عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي، فهذه الخطوة لم تنسف الصفقة التجارية فحسب، بل عرّفت أوروبا أيضاً على مخاطر دبلوماسية "الذئب المحارب" الجديدة التي تطبّقها الصين. قد يتردد الأوروبيون في الانضمام إلى أي حملة أيديولوجية ضد الصين أو ضد الأنظمة الاستبدادية حول العالم إذا شعروا أن بايدن يحثهم على هذه الخطوة، فهم يريدون التأكد أولاً من استعداد بايدن لسماعهم بدل إبلاغهم بالمستجدات حول اجتماعه المرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى أنهم قد يقلقون من مظاهر الغطرسة والنفاق الأميركية، لكن الولايات المتحدة استرجعت مكانتها على مستوى قيادة العالم بسرعة فائقة لدرجة ألا يتسنى لتداعيات السنوات الأربع الماضية أن تتلاشى بالكامل: يشعر الكثيرون بالقلق بسبب استمرار الشكوك السائدة رغم وفرة الفرص المتاحة اليوم.في مقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، كتب بايدن أن أبرز سؤال يُفترض أن يجيب عنه مع زملائه هو التالي: هل ستثبت التحالفات والمؤسسات الديمقراطية التي رسمت معظم أحداث القرن الماضي قدرتها على تجاوز التهديدات والخصوم في الحقبة المعاصرة؟ ما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أو رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ليطرحوا سؤالاً مختلفاً على الأرجح. لقد أوصل التاريخ جو بايدن إلى البيت الأبيض بطريقة غير متوقعة في حين يواجه الغرب تحديات غير مسبوقة، لذلك بدأ بايدن وزملاؤه الآن يبحثون عن جواب جماعي لذلك السؤال المحوري.
● جيمس تروب - فورين أفيرز
في وقتٍ سابق من هذه السنة أبرم دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي صفقة تجارية مع الصين أزعجت المسؤولين المرتقبين في فريق بايدن