بعد استحقاق شهد إقصاء جلّ المنافسين المحتملين لمصلحة إحكام التيار المحافظ قبضته على مفاصل الحكم بالبلاد بلا منازع، أظهرت النتائج النهائية للجنة الانتخابات الإيرانية فوز رئيس السلطة القضائية الأصولي المتشدد إبراهيم رئيسي، بالانتخابات الرئاسية، وحصوله على 61.95 بالمئة من أصوات المقترعين.

وأعلن وزير الداخلية عبدالرضا رحماني، أمس، إحصاء أكثر من 28 مليونا و900 ألف صوت في الانتخابات، التي أجريت أمس الأول، بنسبة مشاركة بلغت 48.8 بالمئة.

Ad

وقال رحماني إن رئيسي حصل على 17 مليونا و926 ألفا و345 صوتاً، في حين حاز أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، المحافظ، محسن رضائي 3412712 صوتاً، وحصد رئيس البنك المركزي المستقيل، المعتدل، عبدالناصر همّتي 2427201 والمرشح المحافظ أمير زاده هاشمي 999718 صوتا.

وعلمت "الجريدة"، من مصدر مطلع، أن الأصوات الباطلة التي تقدّر بنحو 4.1 ملايين صوت، أدلى أصحابها بـ "أوراق بيضاء"، تضمن أغلبها شتائم، بعد دعوات واسعة لمقاطعة التصويت بانتخابات الرئاسة الـ13، التي اقتصرت على 4 مرشحين، ودُعي لها نحو 59.3 مليون إيراني للمشاركة.

وتعتبر نسبة المشاركة التي شهدتها انتخابات أمس الأول الأقل في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وبلغت المشاركة في الدورة السابقة 73 بالمئة في انتخابات تنافسية شارك فيها رئيسي نفسه، وحلّ ثانياً بعد الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي حصل على نحو 24 مليون صوت.

حكومة الشعب

وفي أول تعليق له بعد إعلان النتائج، أعرب رئيسي، عن تمنياته بأن يكون "محلّ ثقة الشعب الإيراني الذي انتخبه". وقال الرئيس المنتخب (60 عاما): "سأتعاون مع حكومة روحاني، وسأعقد اجتماعات مع أعضاء حكومته للاطلاع على تجربتهم في إدارة البلاد"، داعياً جميع الخبراء والمفكرين إلى "تقديم وجهات نظرهم حول إدارة البلاد". وأضاف رئيسي: "آمل التعويض عن الثقة التي منحني الشعب إياها"، مؤكدا أنه "سيشكل حكومة الشعب".

وتابع: "أتمنى القيام بالمهمة الثقيلة التي وضعها الشعب على كاهلي على أفضل نحو".

وزار الرئيس المعتدل حسن روحاني مقرّ السلطة القضائية في طهران، حيث التقى رئيسي، وهنأه بالفوز، كما بحث معه الأوضاع التي تمرّ بها البلاد.

وأعرب خلال مؤتمر مشترك مع الرئيس المنتخب عن قناعته بأن الأخير سيكون "رئيساً للجميع" منذ توليه مقاليد الحكم في الثالث من أغسطس المقبل، لافتاً إلى أن الرئيس المنتخب على دراية تامة بالأوضاع في داخل البلاد، وتقلّد مناصب مهمة خلال السنوات الماضية.

وأكد روحاني أن الحكومة بكل وزرائها ستقف اعتبارا من اليوم إلى جانب رئيسي، لتجاوز المرحلة الانتقالية بشكل جيد، كي يتمكّن الرئيس المنتخب من تشكيل حكومة جديدة بنجاح.

من جهته، رأى المرشد الأعلى علي خامنئي، أن "الفائز الأكبر في انتخابات الأمس هو الأمة الإيرانية، لأنها ارتقت مرة جديدة في مواجهة دعاية الإعلام المرتزق للعدو".

وفي وقت سابق، هنأ همّتي ورضائي وهاشمي الرئيس المنتخب.

تهنئة دولية

وعقب إعلان النتائج النهائية، هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيسي بفوزه، وأعرب عن أمله في "زيادة تنمية التعاون الثنائي البنّاء" بين البلدين.

كما هنأ الرئيس العراقي برهم صالح، الرئيس الإيراني المنتخب، مؤكداً تطلع بغداد إلى تعزيز العلاقات الراسخة مع طهران الجارة وشعبها الذي تربطه بشعبنا وشائج متجذرة عبر التاريخ.

كما أكد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، أنه يتطلع للعمل مع رئيسي، على توفير الأمن والاستقرار لشعبي البلدين ولسائر شعوب المنطقة.

وبعث الرئيس السوري بشار الأسد برسالة إلى الرئيس الإيراني الجديد، أعرب فيها عن "الاهتمام والحرص على العمل معه من أجل تعزيز مسار العلاقات الثنائية المبنية على عقود طويلة من الصداقة التاريخية والتفاهم المتبادل والمصالح المشتركة".

كما هنأ نائب رئيس الإمارات حاكم دبي محمد بن راشد رئيسي على فوزه. وأرسل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خطاب تهنئة للرئيس الإيراني المنتخب.

ظريف وفيينا

في هذه الأثناء، وصف وزير الخارجية محمد جواد ظريف، رئيسي بأنه "رجل عقلاني وسيقود البلاد بشكل جيد".

ورجّح وزير الخارجية الإيراني، في تصريحات أمس، على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي بتركيا، التوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا غير المباشرة مع واشنطن قبل انتهاء ولاية حكومة روحاني في 3 أغسطس المقبل.

وأوضح ظريف أن "المفاوضات الدائرة حالياً حول إحياء الاتفاق النووي مستمرة، وأتصوّر أن هناك احتمالاً كبيراً جداً للتوصل إلى اتفاق قبل تاريخ نهاية مسؤوليتنا".

وتأتي تصريحات ظريف فيما ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي، أن إدارة الرئيس جو بايدن ترغب في التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، قبل تولي الرئيس الإيراني الجديد، الذي يخضع لعقوبات أميركية والمتهم بارتكاب انتهاكات بحقوق الإنسان إبان عمله القضائي بمحاكم الثورة في ثمانينيات القرن الماضي، منصبه.

وبحسب ما نقله الموقع عن مسؤول أميركي لم تحدَّد هويته، فإن استمرار المحادثات إلى أوائل أغسطس سيكون "مقلقاً"، مشيراً إلى أن عدم التوصل إلى اتفاق قبل تشكيل الحكومة الجديدة، سيثير تساؤلات جدية حول مدى إمكانية تحقيقها.

وعبّرت مصادر دبلوماسية على صلة بالمحادثات عن خشيتها من تعقيد المحادثات بعد فوز رئيسي، لكونه على لائحة العقوبات الأميركية لدوره في الإعدامات الجماعية للمعارضين في الثمانينيات.

وأفادت تقارير بأن الوفد الإيراني لم يطلب حتى الآن رفع اسم رئيسي من لائحة العقوبات خلال المفاوضات.

ورجحت مصادر تعليق الجولة السادسة من المحادثات في فيينا الرامية إلى رفع العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على طهران، بعد انسحابه من الصفقة النووية عام 2015، خلال اليومين القادمين لمدة أسبوع.

وعُيّن رئيسي رئيساً للسلطة القضائية منذ عام 2019، وبعد بضعة أشهر من تعيينه، فرضت واشنطن عليه عقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، تشمل إعدام معتقلين سياسيين في الثمانينيات، وقمع اضطرابات في 2009، وهي أحداث لعب فيها دوراً، حسبما تقول جماعات حقوقية. ولم تقر إيران مطلقاً بتنفيذ أحكام إعدام جماعية، ولم يتحدث رئيسي نفسه علناً عمّا يتردد عن دوره في مثل هذه الأحداث.

تحقيق وقمع

في غضون ذلك، دعت منظمة العفو الدولية، للتحقيق مع الرئيس الإيراني الجديد، لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

وقالت المنظمة إن "الانتخابات تمّت في أجواء قمعية". وطالبت المنظمة بـ "إنشاء آلية محايدة لجمع أدلة على الجرائم التي ارتكبها رئيسي"، الذي يطرح اسمه كخلف محتمل للمرشد الأعلى.

واعتبرت المنظمة أن "صعود رئيسي للحكم تذكير بأن الإفلات من العقاب يسود البلاد". وذكرت أن "رئيسي دعم قتل المئات منهم نساء وأطفال خلال احتجاجات إيران 2019"، و"انتهك حقوق الإنسان والأقليات خلال رئاسته للقضاء".

خلافة خامنئي حسمت الانتخابات

رأى المستشرق وعالم السياسة الروسي، يفغيني ساتانوفسكي، خلال تقييمه نتائج الانتخابات في إيران، أن خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي قد تكون أحد أسباب فوز المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي. واعتبر ساتانوفسكي أن "الرئيس الذي انتخب هو على الأرجح الرجل الذي سيحل محلّ المرشد"، (82 عامًا)، وأصبح مرشداً أعلى بعد فترتين رئاسيتين. وأضاف أن "رئيسي يجري تحضيره لهذ المنصب"، وبالتالي "لم يكن ممكنا أن يصبح رئيسا إلّا من كان سياسياً محافظاً".