قبل نحو 6 أسابيع من تسلّم الرئيس الإيراني المنتخب المتشدد إبراهيم رئيسي دفة الحكم، ووسط تقديرات بتوجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لاستغلال، ما تعتبره رغبة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي في "انتهاز لحظة تاريخية" لرفع العقوبات الخانقة وتقديم تنازلات نووية بـ"أقل كلفة من الحرج الداخلي"، أنهت الدول الأعضاء في الاتفاق النووي، المبرم عام 2015، جولتها التفاوضية السادسة في فيينا وسط بوادر عن التوصل إلى تفاهم بشأن إحياء الصفقة الذرية. وأكد كبير مفاوضي إيران عباس عراقجي عقب الاجتماع الختامي، أن المجتمعين في العاصمة النمساوية باتوا أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى توافق. لكن عراقجي لفت إلى أن "ملء بعض الفراغات للتوصل لاتفاق ليس سهلاً".
وأشار إلى أن الوفود المشاركة ستعود إلى العواصم "ليس فقط للمزيد من التشاور بل لاتخاذ قرار"، لافتاً إلى أن الأمور باتت واضحة الآن، كما أصبح معلوماً ما هو ممكن وما ليس ممكناً.وأوضح أن كل وثائق الاتفاق باتت شبه جاهزة، بعد أن حلّت خلافات كبيرة ولم يتبق منها سوى القليل. وشدد على أن الوقت حان للأطراف الآن كي تتخذ قرارها.واعتبر ميخائيل أوليانوف المندوب الروسي في المحادثات التي تشارك بها، إضافة إلى إيران وروسيا، الصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، أن "هناك اتفاقاً في متناول اليد، لكن لم يتم الانتهاء منه بعد".وبين أن الجولة المقبلة يفترض أن تكون الأخيرة. وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، إن المحادثات أحرزت تقدماً، وإن المشاركين ستكون لديهم فكرة أوضح عن كيفية إبرام اتفاق لدى عودتهم.وأضاف أنه يتوقع أن تتوصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران إلى اتفاق بشأن تمديد اتفاق التفتيش على أنشطة إيران النووية الذي ينتهي في 24 يونيو الجاري.
تقديرات أميركية
وتحدثت تقارير أميركية عن تقديرات بأوساط إدارة بايدن ترجح أن أمامها "فرصة وجيزة وفريدة" للتوصل إلى اتفاق نهائي مع القيادة الإيرانية الحالية بشأن قرار "مؤلم كانت تؤجله" لرفع العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على طهران وإعادتها إلى تطبيق القيود الذرية. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين في كل من واشنطن وطهران، أن المرشد الأعلى "يرغب في إعادة الاتفاق النووي مع الغرب"، من أجل رفع العقوبات القاسية التي أبقت النفط الإيراني خارج السوق إلى حد كبير.وقال مسؤولون بارزون، إن "الصياغة التفصيلية للاتفاقية التي أعيد إحياؤها، تم إعدادها قبل أسابيع في فيينا".وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنه "منذ ذلك الحين، بقيت الاتفاقية التي أعيد إحياؤها، دون أن تمسّ إلى حد كبير، في انتظار الانتخابات التي هندسها المرشد لمصلحة رئيسي المرشح الرئيسي ليصبح المرشد المقبل للبلاد".وأوضحت أن "النظرية في واشنطن وطهران، هي أن خامنئي كان يدير، ليس فقط الانتخابات ولكن المفاوضات النووية، ولا يريد أن يتخلى عن أفضل أمل له في تخليص بلاده من العقوبات الخانقة".وتوقعت أن يتم إعداد الأجواء في طهران بحيث يتم تحميل حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني اللائمة على "الاستسلام للغرب" وتحمل وطأة الغضب الشعبي إذا لم ينقذ تخفيف العقوبات اقتصاد البلاد المتردي. وفي الوقت نفسه، إذا نجح اتفاق فيينا "يمكن للحكومة المحافظة الجديدة بقيادة رئيسي أن تأخذ الفضل في حدوث انتعاش اقتصادي ومواجهة واشنطن".ورغم ذلك، شدد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في تصريحات أمس، على أن هناك "مسافة كبيرة أمام جوانب فيينا متعلقة بقضايا رئيسية"، مشيراً إلى أن إيران تسعى لرفع عقوبات لم يتضمنها اتفاق 2015.أسف انتخابي
وتأتي تلك التطورات، في وقت أكدت واشنطن أنها ستواصل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بموازاة انتقادها للانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت يوم الجمعة الماضي بعد إقصاء جل المنافسين البارزين من مختلف التيارات. وفي أول تعليق يصدر عن واشنطن بشأن فوز رئيسي الذي يخضع لعقوبات أميركية على خلفية اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، أعرب متحدث باسم الخارجية عن أسف واشنطن لأن "الايرانيين حرموا من حقهم في اختيار قادتهم في عملية انتخابية حرة ونزيهة".في هذه الأثناء، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتشدد نفتالي بينيت، في أول جلسة يبثها التلفزيون لمجلس الوزراء منذ توليه المنصب الأسبوع الماضي، صعود رئيسي للسلطة بأنه جاء بدفع من خامنئي وليس بتصويت شعبي حر.وقال بينيت في بيان قرأه بالعبرية أولاً ثم بالإنكليزية: "انتخاب رئيسي هو آخر فرصة للقوى العالمية للتنبه قبل العودة للاتفاق النووي وإدراك مع من يتعاونون. نظام جلادين وحشيين لا يجب أبداً السماح له بامتلاك أسلحة دمار شامل. موقف إسرائيل حيال ذلك لن يتغير".ولدى بينيت، وهو قومي يترأس ائتلافاً حاكماً يضم العديد من الأحزاب، قناعة راسخة بمعارضة سلفه المحافظ بنيامين نتنياهو للاتفاق النووي، إذ تعتبر إسرائيل أن القيود التي فرضها الاتفاق على المشروعات الإيرانية التي قد تفضي لصنع قنبلة نووية متساهلة جداً.ويشير بيان رئيس الوزراء الجديد إلى تغيير استراتيجية الدولة العبرية والتحرك باتجاه التأثير على الموقف الأميركي بدلاً من أسلوب نتنياهو الذي رفض التعاطي مع جهود بشأن إحياء الاتفاق النووي من أجل الاحتفاظ بخيار التحرك العسكري المنفرد ضد طهران.وحذرت أوساط إسرائيلية من أن إدارة بايدن، التي تريد التفرغ لـ"التحديات الحقيقية التي تواجه الولايات المتحدة"، تستعد لتقديم تنازلات كبيرة وخطيرة لإيران تجعل الاتفاق المتبلور في فيينا حالياً أخطر من الاتفاق الأصلي الذي وُقّع في 2015.وتتعلق التنازلات بتخفيف مستوى الرقابة على منشآت إيران النووية بشكل كبير. ويأتي جرس الانذار الإسرائيلي في وقت يستعد رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي لإجراء محادثات مكثفة في واشنطن في محاولة للتأثير على بنود الاتفاق المتبلور في فيينا.