في الوقت الذي يواصل المجلس الأعلى للقضاء اجتماعاته الدورية، لمناقشة تطورات الشأن القضائي بين التعيينات والترقيات، وكذلك مناقشة بعض الأحداث الداخلية للجهاز، لم يخصص المجلس أياً من جلساته بعد لتناول تطبيق وزارة العدل للتعديلات التشريعية الصادرة في عام 2020 من قِبل مجلس الأمة على قانون المرافعات، وأهمها تطبيق الإعلان الإلكتروني، ورفع صحف الدعاوى والطعون إلكترونياً، وفقاً لما قررته أحكام القانون المُقر.ورغم صدور القانون منذ قرابة عام كامل، فإن وزارة العدل لم تتمكَّن من تطبيقه كاملاً حتى الآن، وكل ما تم تنفيذه على أرض الواقع لا يفي بالغاية التشريعية المقررة لمثل هذا التطبيق المنشور للإعلان الإلكتروني، ومازال الإعلان التقليدي متصدراً للمشهد اليومي، ومازالت المحاكم تُصدر قراراتها بوقف القضايا جزاء، لعدم إتمام الإعلان، أو حتى إصدار أحكام باعتبارها كأن لم تكن، وهو الأمر الذي يكشف عدم فاعلية تطبيق الإعلان الإلكتروني، بعد أن ظهر عملياً عدم قدرة إدارة الإعلان على إعلان جهات، كالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، أو أحد البنوك المحلية المعروفة في البلاد، والذي لا يبتعد مقره عن مبنى محكمة قصر العدل سوى 10 دقائق مشياً، رغم وضوح البريد الإلكتروني لها.
وقضية إتمام الإعلان الإلكتروني لن تنجح إلا بطريق واحد أشارت إليه الفقرة الأخيرة من التعديل التشريعي على المادة الخامسة من التعديل الأخير على قانون المرافعات، وذلك بالتنسيق بين وزارة العدل والهيئة العامة للمعلومات المدنية، وللأخيرة إصدار قراراتها اللازمة نحو إتمامه، سواء على الشخص الاعتباري أو الطبيعي، وهو ما يتأتى تحقيقه بإلزام «المعلومات المدنية» لكل المواطنين والمقيمين بوضع إيميلات لهم لدى الهيئة، وتسجيل أرقام هواتفهم الشخصية خلال فترة زمنية محددة، وإلا فإن الهيئة ستقوم بإيقاف تفعيل البطاقة المدنية لكل المسجلين داخل الكويت، وهو الأمر الذي سيُلزم الجميع تسجيل البريد الإلكتروني الخاص بهم، تطبيقاً لأحكام القانون، وبما يحقق قيد البريد الإلكتروني لجميع سكان الكويت، وهو ما يسهم في سهولة إعلانهم إلكترونياً بصحف وأوراق الدعاوى القضائية.ومن دون التنسيق بين وزارة العدل وهيئة المعلومات المدنية لا يمكن تحقيق التحول الحقيقي لمفهوم الإعلان لصحف وطعون القضايا المعروضة أمام المحاكم، كما لا يمكن مجاراة التطور الحقيقي للتقاضي الإلكتروني، الذي يبدأ بالقيد الإلكتروني الكامل، ثم الإعلان الإلكتروني لصحف الدعاوى، ومن دون تدخل بشري، ما لم يقتنع القائمون على إدارة الملف الإداري للمنظومة القضائية بضرورة تحقيق ذلك التحول.وليس الإعلان القضائي الإلكتروني وحده الذي كشف غياب التنظيم الإداري له، بل كشف الواقع غياب الرؤية لإنجاز مشروع رفع القضايا والطعون إلكترونياً، رغم صدور القانون الذي جاء لتداعيات الواقع العملي الذي تشهده المحاكم، وإزاء ما كشفت عنه الحاجة العملية، بسبب تداعيات جائحة كورونا، التي فرضت التحول الإلكتروني بجميع مجالات التعامل بين الجمهور والإدارات المقدمة للخدمات، وهو الأمر الذي نجحت فيه العديد من القطاعات بالدولة، ولم تتمكن بعد غيرها من التغلب عليه وإيجاد آليات لإتمامه، كما هو حاصل مع وزارة العدل، التي لم تتمكن من إيجاد الآليات التكنولوجية التي تسهل من فكرة التقاضي عن بُعد، وتحقيق مشروع تنفيذ الأحكام المدنية إلكترونياً.تلك التعديلات التشريعية وإدخالها حيز التنفيذ مسؤولية وزارة العدل، من أجل تطوير منظومة التقاضي في المحاكم، كما أنها مسؤولية مجلس القضاء في محاسبة الوزارة على تطبيق تلك التعديلات، وبيان مدى جدواها عملياً بالنسبة للمنظومة، والوقوف على أسباب الإخفاق الذي تعيشه، والمسؤول عنه.إن الدور المنوط بالمجلس الأعلى للقضاء كبير جداً، من أجل تحسين بيئة العمل القضائية، سواء في المحاكم أو النيابة العامة، خصوصاً أن القائمين على تحقيقها هم القضاة وأعضاء النيابة العامة وأعوان القضاء، وهو ما يستدعي تحركاً لامحدوداً من مجلس القضاء في مناقشة عضو المجلس وكيل وزارة العدل، أو مطالبة الوزير الحضور لمجلس القضاء، ومصارحته بالإخفاقات التي تشهدها المنظومة الإدارية، والتي تعود بالسلب على عمل المحاكم.
محليات - قصر العدل
التقاضي الإلكتروني... مكانك راوح!
22-06-2021