مرافعة: الصلح والتسويات الجنائية
ارتفاع أعداد القضايا الجنائية أمام المحاكم يستلزم من المشرّع العمل على إيجاد أسلوب جديد للتعامل معها، كإقرار أسلوب التسويات والصلح من قبل جهات التحقيق، ممثلة في الإدارة العامة للتحقيقات والنيابة العامة تجاه المشكو بحقه للوصول الى تسويات تجنّبهم المساءلة القانونية من قبل المحاكم، وتمنح للدولة حقها المالي والقانوني على نحو كامل.وإقرار تلك التسويات ليس بدعة أو سابقة على التشريعات الجنائية للأخذ بها، فمثل ذلك الأسلوب أخذ به المشرّع الأميركي، فضلا عن بعض التشريعات العربية، ومنها التشريع المصري، وذلك بأخذ قانون التصالح في القضايا الجنائية، ولذلك فإقدام المشرّع الكويتي ليس مستغربا، بل إنه مهم ومفيد لكل الأنظمة الإدارية والاقتصادية والقانونية في الدولة.وقد بات إقرار التسويات والصلح في القضايا الجنائية مهمّا وصالحا للدولة ولحقوقها، فضلا عمّا يحققه من تخفيف الضغط عن منظومة القضاء.
فبينما ينص قانون حماية الأموال العامة على إلزام المحاكم الجزائية للمتهم بغرامات مالية تعادل ضعف المبلغ المستولى عليه، فإنّه يتعين تعديل القانون نحو إلزام المتهم ردّ المبلغ المستولى عليه، وردّ مثله في حال إتمام الصلح والتسوية الجنائية من قبل النيابة العامة، علاوة على تقرير حرمان المتهم من ممارسة بعض الحقوق لبضع سنوات، كحرمانه من حقوق تولّي الوظيفة أو ممارسة الحقوق السياسية، كالانتخاب والترشّح أو السفر، وهو ما قد يجعله شاذا ومنبوذا في نظر المجتمع، وقد يحقق فكرة الردع والعزل الاجتماعي له. الأمر ليس مقصورا على قضايا قانون حماية الأموال العامة، أو ما يتصل بقضايا الفساد، بل يمتد الى قضايا الجنح العادية أو البسيطة كجنح المرور والشؤون والبيئة والتجارة والإطفاء، بأن تتولى إدارات التحقيق والنيابة مفاوضة المشكو بحقهم بسداد الغرامات وإزالة المخالفات بشكل مباشر وسريع، بدلا من إحالتها الى المحاكم الجزائية، التي ستنتهي بدورها في معظم تلك القضايا الى الحكم بإلزام مرتكبي تلك المخالفات بذات المبالغ المقررة في القانون.وعليه، فإنّ إقدام المشرّع الكويتي نحو تعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية وغيره من القوانين الخاصة لبعض الجرائم لتقرير التسويات والصلح يعدّ أمرا مهما، يتعين النظر إليه، لما يمثّله من أهمية كبرى ستعود بالنفع على المتقاضين في إنهاء نزاعاتهم القضائية ذات البُعد الجنائي على نحو أسرع، فضلا عن أنها ستعمل على تخفيض عدد القضايا أمام المحاكم، بما يمكّنها من الفصل في القضايا المعروضة أمامها، التي تستحق نظرها من قبل القضاء.