ساهم القرار الغربي بالانسحاب السريع من أفغانستان في منح حركة "طالبان" المتشدّدة الزخم لاستكمال عمليات زحفها، حيث باتت تسيطر فعلياً على مناطق أكثر من الحكومة الأفغانية، للمرة الأولى منذ منذ 2001.وقال مسؤولون محليون، إن "طالبان" سيطرت، أمس، على معبر شير خان، أبرز معبر حدودي مع طاجيكستان الذي يربط أفغانستان ببقية أنحاء آسيا الوسطى.
وأدى تنامي الاضطراب في أفغانستان إلى إثارة المخاوف لدى طاجيكستان من احتمال قرب حدوث أزمة لاجئين، حيث بدأ بعض المسؤولين المحليين بالفعل في إعداد خطط لإقامة مخيمات لاجئين.وقال الناطق باسم المتمردين، ذبيح الله مجاهد، إنهم "بصدد إعادة الوضع الى طبيعته على الحدود"، وحرص أيضا على "طمأنة" طاجيكستان قائلاً: "لا نضمر لها أي شر، وسنحرس الحدود من الجانب الأفغاني".وأول من أمس، سقطت حفنة أخرى من المقاطعات في قبضة "طالبان". وذكر مسؤولون بالحكومات المحلية أن الحركة اجتاحت 8 مقاطعات بأقاليم باغلان وبالخ وتخار خلال الساعات الـ 24 الماضية.وبعد يوم على محاصرة مقاتليها لقندوز، كبرى مدن شمال شرقي البلاد، كتب مسؤول بوزارة الدفاع على "تويتر"، أن "مقاتلي طالبان صاروا على حدود مدينة مزار شريف"، كما أعلنت "طالبان" سيطرتها على منطقة ميوند في قندهار، لتضيفها إلى سلسلة انتصاراتها الميدانية الأخيرة. وإذا كانت هذه التقارير دقيقة، فإن هذا يعني أن قوات "طالبان" التي اجتاحت 50 مقاطعة منذ بدء القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الانسحاب في أول مايو الماضي، باتت تسيطر فعلياً على مناطق أكثر من الحكومة الأفغانية.وحالياً باتت "طالبان" موجودة تقريباً في كل ولايات البلاد وهي تطوّق مدناً كبيرة عدة، وهي استراتيجية سبق أن اتّبعتها في تسعينيات القرن الماضي للسيطرة على الأغلبية الساحقة من أراضي البلاد المقسمة إلى 34 إقليماً، التي تنقسم بدورها إلى نحو 370 مقاطعة.ووفق رصد مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات غير الحكومية، فإنه "للمرة الأولى منذ 19 عاماً، يعيش أكثر من 8 ملايين أفغاني تحت حكم طالبان، فيما يعيش 11 مليوناً في مناطق السيطرة الحكومية، ويعاني 14 مليوناً آخرين ويلات القتال، في المناطق المتنازع عليها".
«معاقل الألمان»
من ناحيتها، قالت صحيفة "بيلد" الألمانية، إن النجاحات التي تحقّقت خلال 19 عاماً من الوجود الغربي في أفغانستان، باتت مهددة في غضون أيام قليلة.وتابعت:"يبدو أن عناصر طالبان يستعيدون السيطرة على الدولة بأكملها".وبينما يواصل الجيش الألماني الانسحاب وفق الجدول الزمني المحدد، أوضحت "بيلد"، أن "موقعي الجيش الألماني، في قندوز الذي تواجد فيه الجنود حتى نوفمبر 2020، ومعسكر مارمال في مدينة مزار الشريف، الذي لا يزال يستخدمه الألمان حتى اليوم، على وشك السقوط في يد طالبان".ومع الانسحاب المستمر من شمال أفغانستان، لا يزال الجنود الألمان مستعدين للدفاع عن معسكرهم في مارمال.الأمم المتحدة
وبينما نبّهت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، الى أن بلادها لن تعترف بحكومة أفغانية تفرض بالقوة، أكدت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة الخاصة بأفغانستان ديبورا ليونز، أمس، أن "طالبان سيطرت على أكثر من 50 من بين 370 مقاطعة في البلاد منذ مايو الماضي، وحذرت من أن تصاعد الصراع "يعني تزايد الخطر الأمني في العديد من الدول الأخرى، سواء القريبة أو البعيدة".وفي واشنطن، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أنّ وتيرة انسحاب القوات الأميركية قد تتباطأ إذا واصلت "طالبان" تحقيق مكاسب ميدانية في الهجمات التي تشنّها على جبهات عدّة، مشدّدة في الوقت عينه على أنّ هذا الأمر لن يؤثّر على الموعد النهائي لإتمام الانسحاب والمقرّر في 11 سبتمبر.وقال الناطق باسم "البنتاغون" جون كيربي، خلال مؤتمر صحافي، إنّ "الخطط يمكن أن تتبدّل وتتغيّر إذا تغيّر الوضع". وأضاف كيربي:"إذا كانت هناك أيّ تغييرات يتعيّن إجراؤها بما يتعلّق بوتيرة أو نطاق أو حجم الانسحاب في أي يوم أو أسبوع معيّن، فنحن نريد الاحتفاظ بالمرونة للقيام بذلك".لكنّه شدّد على أنّ "هناك شيئين لم يتغيّرا: أولاً، سننجز الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان باستثناء تلك التي ستبقى لحماية الوجود الدبلوماسي، وثانياً، سيتمّ ذلك بحلول مطلع سبتمبر، وفقاً لما أمر بذلك القائد الأعلى" للقوات المسلّحة الرئيس جو بايدن.ولفت كيربي إلى أنّ الجيش الأميركي سيواصل تقديم إسناد جوّي للقوات الأفغانية، لكنّه شدّد على أنّ هذا الدعم لن يستمرّ على حاله حتّى اليوم الأخير للوجود العسكري الأميركي في أفغانستان.وقال: "ما دامت لدينا القدرات في أفغانستان، فسنواصل تقديم المساعدة للقوات الأفغانية، لكن عندما يقترب الانسحاب من نهايته، ستنخفض هذه القدرات، ولن تكون متاحة بعد ذلك".وأضاف: "بينما أتحدّث إليكم، ما زلنا نقدّم بعض الدعم، لكنّ هذا الوضع سيتغيّر".ومن المقرّر أن يلتقي بايدن في البيت الأبيض بعد غد الرئيس الأفغاني أشرف غني وكبير مفاوضي حكومته في المفاوضات مع طالبان عبدالله عبدالله.اتفاق أنقرة
ورداً على سؤال عما إذا تم التوصل إلى اتفاق بين أنقرة وواشنطن خلال الاتصال الهاتفي بين وزيري دفاع البلدين أخيراً بخصوص تأمين مطار حامد كرزاي في كابول، قال كيربي، إن المكالمة تأتي استكمالاً للقاء الذي جرى بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة "الناتو" الأسبوع الماضي في بريطانيا.وأضاف أن "تركيا وافقت على لعب دور ريادي في حماية المطار، لكن العمل لا يزال مستمرا بخصوص التفاصيل، فهناك الكثير من الأمور التي ينبغي القيام بها".وأشار كيربي إلى أن الجانب التركي طلب الحصول على دعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وأنهم يدرسون الموضوع.ويزور مسؤولون من وزارة الدفاع الأميركية غداً، تركيا، لبحث أمن مطار كابول، بعدما اقترحت أنقرة توليه بشروط بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.وقال مسؤولون أتراك، رفضوا الكشف عن هوياتهم، إن أعضاء من وزارة الدفاع التركية سيستقبلون الوفد الأميركي لبحث "كل التفاصيل المتعلقة بمواصلة عمل" مطار حميد كرزاي الدولي في كابول.