والدة ناشط عراقي مغدور تتحدى القضاء في مواجهة نادرة
أصبح الناشط إيهاب الوزني أيقونة بارزة في "حراك تشرين" العراقي، بعد اغتياله قبل أربعين يوماً في مدينة كربلاء الدينية، وتخوض "تنسيقيات" الاحتجاج مواجهة واسعة مع سلطة القضاء والبرلمان، بناء على وصية كتبها الشاب المغدور بضرورة كشف الشبكات، التي تقتل الناشطين.قضية الوزني، الذي اغتيل قرب ضريح الإمام الحسين بن علي في كربلاء، ازداد أثرها على الرأي العام في العراق، بعد تبني والدته ذات السبعين عاماً أمر كشف القتلة، وباتت خطبها البليغة، التي تلقيها أمام وسائل الإعلام، تحرج الجميع وتؤجج احتجاجات في مختلف المدن.وللمرة الثالثة على التوالي، فشلت والدة الوزني، أمس، في نصب خيمة أمام محكمة كربلاء، للاعتصام المفتوح، الذي أعلنته في ذكرى مرور أربعين يوماً على اغتيال ولدها. وأظهرت مقاطع فيديو اعتداء حراس المحكمة، الذين كانوا ملثمين، على ولدها وتحطيمهم خيمتها الصغيرة، لكن الناشطين في كل مكان تضامنوا معها ونددوا بهذا الاعتداء.
ولعل هذا الملف يشعل مواجهة نادرة بين "حراك تشرين" وسلطة القضاء العراقي، التي يُتهم رئيسها بأنه يخضع لضغوط الميليشيات الموالية لطهران، خصوصاً بعد أمره بإطلاق سراح اللواء في الحشد الشعبي قاسم مصلح، المتهم بالوقوف وراء اغتيال الوزني وعدد آخر من الناشطين جنوب بغداد.ووعدت كتل نيابية باستجواب عشرات قادة الأمن من حكومة عادل عبدالمهدي السابقة، في ملف اغتيال نحو ٨٠٠ ناشط منذ احتجاجات عام ٢٠١٩، لكن رئاسة البرلمان هي الأخرى تخضع لضغوط من الفصائل النافذة، التي حاولت اقتحام القصر الجمهوري الشهر الماضي، إثر تحقيقات كبرى تجريها الاستخبارات في ملف اغتيال الناشطين. ويعد هذا المف واحداً من أخطر الاختبارات التي ينظمها الجمهور في معارضته للنظام السياسي، الذي تقوده الأحزاب منذ نحو عقدين ويُتهم بسوء الإدارة والفساد، ويتزامن مع أزمات حادة؛ اقتصادية واجتماعية وأمنية، رغم محاولات واضحة تقوم بها حكومة مصطفى الكاظمي لكبح جماح الميليشيات، وفتح تحقيقات استثنائية في قضايا فساد كبرى، لكن أثر ذلك على الرأي العام لا يبدو واضحاً، لأن المسار البطيء للإصلاحات أقل من حجم الأزمات الهيكلية، التي تعانيها الدولة.ولم تجرؤ الأحزاب، حتى الآن، على التعاطف مع موقف الحراك، الذي بدأ يطالب بإصلاح القضاء، وقد يصل إلى الدعوة لاستقالة رئيس السلطة القضائية فائق زيدان.وتمتلك سلطة القضاء نفوذاً كبيراً يتيح لها إيذاء الأحزاب، التي تورط كثير من قياداتها بملفات أمنية أو تتعلق بفساد مالي وإجراءات غير قانونية، مما يجعل قيادات سياسية كثيرة تتحاشى التصادم مع مجلس القضاء الأعلى. ورغم أن "حراك تشرين" الشعبي لا يعترف بقواعد الصراع التقليدية، لكن ليس من المرجح أن ينجح في تغيير كبير لنهج المؤسسة القضائية، إذا لم يحظ بتعاون جزء من الكتل النيابية والأطراف الحزبية والدينية.ويمكن أن يؤدي أي اختراق في ملف قتلة الناشطين إلى وضع بداية لتفكيك شبكات الموت، التي تفتك بالعراقيين منذ سقوط النظام السابق، وتهيمن على مافيات الفساد وتشل الدولة، وهو ما يعني مواجهة بين الحراك الشعبي وأخطر الأقوياء داخل الفوضى العراقية.