ربما كان استحضار المشهد في أفغانستان الآن سبيلاً لفهم القرار الأميركي بالانسحاب العسكري من الخليج العربي، وستكون الصورة أوضح إذا أضفنا عنصراً جديداً إلى المشهد وهو صعود التيار المتشدد والمحافظ في إيران ومجيء إبراهيم رئيسي الرجل الثاني في هرم السلطة بعد المرشد.

ولعل نظرة سريعة للعراق بعد قرار الخروج منه عسكرياً يمنح المراقب الفرصة لتحليل وقراءة ماذا بعد قرار الرئيس بايدن، لنرى ماذا حدث في أفغانستان، فمنذ اللحظة التي بدأت فيها القوات الأميركية بالرحيل وجدت حركة طالبان فرصة تاريخية بالتمدد والتوسع وراحت تقضم الولايات والمناطق الواحدة تلو الأخرى.

Ad

واليوم ظهرت مخاوف حقيقية بسيطرتها على البلاد بعد الفراغ الذي أحدثه قرار الانسحاب الأميركي، والشعار الذي رفعته بأن "الإسلام هو الحل"، والمؤشرات تقول إن واشنطن ستترك وراءها حرباً مشتعلة تشبه حالة ليبيا وسورية، بلاد يتصارع فيها اللاعبون الكبار والأقوياء، وحرب مفتوحة لا نهاية لها.

باختصار طالبان قادمة لحكم أفغانستان، وهي اليوم الطرف المنتصر والحائز الجائزة الكبرى، والتي كانت سببا رئيساً للدخول العسكري الأميركي بهدف القضاء عليها! وعندما تعذر ذلك تحولت إلى طرف قوي أرغم واشنطن على التفاوض معها وانتهت المعركة بهذا "الانتصار"، فكما فعلت أميركا مع العراق عندما سلمته "بغباء" إلى إيران، ها هي اليوم تمنح طالبان "فرصة العمل" بأن تحكم بلد التناقضات في العرقيات كما هو حاله في الجغرافيا.

المشهد المستجد هو فوز "رجل خامنئي" بالرئاسة في إيران، مما يعني أن المرحلة القادمة سيغلب عليها قيادة "محافظة ومتجانسة"، فلا إصلاحيين ولا معتدلين يتنازعون على الصلاحيات والأدوار، بل هناك مرجعية واحدة "مرتاحة" تملك أدوات الحكم والمؤسسة الدينية والحرس الثوري وهو ما يشير إلى إمكانية عقد "صفقة" أو "تسوية" بينها وبين إدارة بايدن بشأن الملف النووي والملفات الإقليمية الساخنة، وبالتالي سيقوى الوجود والتدخل الإيراني في المنطقة!

من وجهة نظر عسكرية هناك من يقول لا يوجد مبرر لوجود القوات الأميركية في الخليج بتلك الكثافة والحجم، بعد أن انتفى دورها والمهمات التي كانت تقوم بها، والمتمثلة بدعم العمليات في كل من العراق وأفغانستان والتي قررت إدارة بايدن الانسحاب منها! والجدل الدائر في أميركا بين معسكر المطالبين بالإنسحاب والمناصرين لاستمرار الوجود في الخليج بات في حكم المنتهي.

بايدن يعيد تشكيل الدور الأميركي في المنطقة من أجل حشد القوة لمواجهة التنين الصيني و"العدو" الروسي والنظرة المستقبلية لإدارة تقول إن المعركة الحقيقية ستكون في المحيطين الهادي والهندي لا في الشرق الأوسط أو الخليج.

الالتباس بموضوع الانسحاب أن البعض قرأه بشكل ناقص، فالذي جرى أن بعض القطاعات العسكرية سيتم نقلها وليس انسحاباً كاملاً، فالأسطول الأميركي الخامس في البحرين باق وقاعدة "العديد" في قطر لم يطرأ عليها أي تغيير والأصح أن الموضوع يحتاج النظر إليه بوصفه ضمن خطة استراتيجية أو رؤية جديدة للدور العسكري في المنطقة، فالمسألة برمتها لا تعدو أن تكون سوى انسحاب جزئي محدود إنما في إطار استراتيجي جديد.

لنطرح السؤال بشكل آخر: ما تداعيات هذه الاستراتيجية وأثرها على منطقة الخليج؟

الدكتور محمد بدري عيد، وفي بحث نشره مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية التابع لجامعة الكويت، أجاب عن السؤال: هناك سيناريوهان: الأول حدوث فراغ أمني أو "انكشاف" وهو سيناريو غير مرغوب به خليجياً، والثاني يتمثل بتنويع المظلة الأمنية، أي إشراك قوى إقليمية مثل الأوروبيين أو الأتراك فيه. أما على المدى الطويل فقد تتحول أميركا من عنصر مؤثر في معادلة أمن الخليج إلى جزء من هذه المعادلة ويمكن إيراد أمثلة على تبعات هذا القرار:

1- سيقوي الوجود والتدخل الإيراني في المنطقة.

2- سيشكل ورقة ضغط على الرياض لإنهاء الحرب في اليمن.

3- سيدفع دول المنطقة إلى تقديم تسهيلات للصين وروسيا وربما تركيا.

4- سيعمل على إدخال إسرائيل بالمنظومة الأمنية والقيام بدور الوكيل الأميركي.

حمزة عليان