اختتم مؤتمر «برلين 2» الدولي بخصوص ليبيا الذي عقد، أمس، في العاصمة الألمانية بتفاؤل بشأن اتفاق مبدئي على سحب المرتزقة الأجانب من هذا البلد، لكن مع عدم توفر ضمانات واستمرار الخلافات الدولية والداخلية تبدو الحظوظ بتحقيق تقدم ملحوظ ضئيلة.

وكان تخفيض روسيا مستوى تمثيلها مؤشراً إلى أن الأمور قد تعود إلى ما كانت عليه قبل المؤتمر، رغم أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان أعلن، أمس الأول، أنه أجرى محادثات إيجابية مع «اللاعبين الرئيسين» في الأزمة الليبية، على حد قوله، نظيريه التركي أحمد جاويش أوغلو والمصري سامح شكري.

Ad

وشددت مخرجات المؤتمر على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها وسحب المقاتلين الأجانب وبتفاؤل أقل بشأن سرعة توحيد قوات الأمن.

وسبق محادثات مؤتمر «برلين 2»، التي شارك فيها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا والدول العربية المعنية بالملف والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، توتر عسكري أعقب إطلاق قائد «الجيش الوطني» في الشرق خليفة حفتر عملية بالجنوب وسيطرته على منفذ حدودي مع الجزائر، في خطوة قابلها المجلس الرئاسي بالغرب بحظر التحركات العسكرية ومنع إعادة تمركز الوحدات مهما كانت طبيعة عملها أو نقل الأفراد والأسلحة والذخائر إلا بعد موافقته.

كما جاء المؤتمر وسط خلافات بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ظهرت أخيراً للعلن بسبب موافقتها على حضور مؤتمر للمصالحة دعت إليه روما وفوداً من الجنوب دون تنسيق معه.

وفي ختم المؤتمر، أشار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لأول مرة بوضوح إلى التدخل التركي لمساعدة حكومة طرابلس ووجود مجموعة «فاغنر» الروسية لدعم قوات حفتر، معرباً عن اعتقاده بأن هناك تفاهماً بين أنقرة وموسكو على سحب تدريجي لكل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وشدد على أن ​برلين​ ستعمل على هذا الهدف ولن تتوانى عنه.

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها الألماني، تحدثت وزيرة الخارجية الليبية عن تحقيق تقدم في قضية المرتزقة الأجانب وأعربت عن أملها في انسحابهم من الجانبين في الأيام المقبلة.

ومع إقرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة بوجود خلاف داخلي ومصالح ضيقة تعوق مسيرة تنظيم الانتخابات البرلمانية وتوحيد المؤسسة العسكرية، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن هذا الاستحقاق التشريعي المقرر في 24 ديسمبر في خطر، معتبراً أنه من أجل تحقيق هذا الهدف من الضروري القيام بعمل فوري من جانب الحكومة الانتقالية وتقديم الموارد المادية وإسراع مجلس النوب على توضيح الأساس الدستوري له وتبنى التشريع اللازم.

وقال غوتيريش، في رسالة مسجلة، «نحن نبني على التقدم المحرز في مؤتمر «برلين 1» من خلال التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وخريطة طريق منتدى الحوار الليبي»، مؤكداً أن وقف تدهور الوضع الإنساني وتحسين الأمن سوف يسهمان في التقدم على المستوى السياسي.

وطرح الدبيبة أربع عناوين لمبادرة «استقرار ليبيا»، خلال كلمته في المؤتمر، «الأول هو الأمن ويندرج تحته وضع خطة لتأمين الانتخابات المقبلة، وملف توحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية، وأيضاً التعامل مع المرتزقة والقوات الأجنبية والإرهابيين، والثاني يخص العملية القانونية للانتخابات وضرورة تجاوز الخلافات والانتهاء من وضع القاعدة الدستورية التي ستجري بمقتضاها».

وأشار الدبيبة إلى العنوان الثالث «ملف المصالحة الوطنية»، مؤكداً ضرورة «عودة النازحين والمهجرين وجبر خواطرهم والسماح لهم بالمشاركة السياسية».

وتمحور العنوان الرابع والأخير حول الاستقرار الاقتصادي والخدمات المقدمة للشعب الليبي، مشدداً على «التوزيع العادل للموارد على جميع المناطق».

وكانت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أوضحت أن مبادرة «استقرار ليبيا» تهدف أيضاً لتوحيد الجيش تحت قيادة واحدة، وتفعيل قرار وقف إطلاق النار، ووضع برنامج زمني واضح لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة وتقترح إنشاء مجموعة دولية لدعم الرؤية الليبية لحل الأزمة ودعم حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي في تنفيذ خططهما الأمنية والاقتصادية والسياسية.

وقبيل انطلاق المؤتمر، طالب وزيرا الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الألماني بإجراء الانتخابات بموعدها في ديسمبر المقبل، وسحب سائر القوات الأجنبية من ليبيا.

وفيما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أيضاً على ضرورة إجراء الانتخابات وسحب المرتزقة، تحدثت صحيفة «المرصد» الليبية عن تواصل تركيا مع السلطات في طرابلس لتمرير ورقة في «برلين 2»، تطالب المجتمع الدولي باستثناء قواتها والقوة الصديقة لها من مطلب الانسحاب الأجنبي إلى ما بعد الانتخابات بدعوى حاجة ليبيا لتركيا خلال العملية الانتخابية.

وناقش مؤتمر «برلين 2» نتائج «برلين 1» الذي عقد في يناير وفرض عقوبات على الأطراف التي تعيق مسار العملية السياسية، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان فيها، بالإضافة إلى توحيد القوات الأمنية والعسكرية في ليبيا.

على صعيد متصل، ناقش المنفي أمس مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي في روما عدة ملفات واتفقا على ضرورة تنسيق الجهود الأمنية والسياسية عبر القنوات الرسمية ودعم المسار السياسي.

وقبل الاجتماع، استنكر المجلس الرئاسي دعوة وزارة الخارجية الإيطالية لوفود من الجنوب الليبي إلى عقد ملتقى مصالحة في روما من دون التنسيق معه، مطالباً بإلغائه ومراعاة علاقات حسن الجوار. وكان المنفي حذر المنقوش، من تجاوز اختصاصاتها بسبب موافقتها على المؤتمر.

وفي إشارة قوية للتوافق بين أكبر غريمين على إيجاد حل للأزمة، أفادت مصادر مطلعة، أمس، بأن وفداً رفيعاً من مصر سيزور تركيا قريباً لمتابعة المفاوضات الجارية بين البلدين والاتفاق على رؤية مشتركة للملفات الإقليمية وأهمها ليبيا وترسيم الحدود البحرية بشرق المتوسط، والوصول إلى مصالحة تنهي سنوات من التوتر.