هذا الحل الذي أطرحه سيقلص الموازنة إلى النصف دون إخلال بمستوى المواطن سواء في الرواتب والميزات التي يتمتع بها بل إنه يقدم أرقى تعليم وخدمة صحية وأفضل سكن وفرص عمل، إنه حل مسكوت عنه لأن أخلص النواب لا يجرؤون على طرحه لأنهم يعتقدون أن صنم شعبيتهم سيتحطم، أما الحكومة وخبراؤها فإن هذا الحل يقع لديهم في منطقة اللا مُفَكَّر فيه. نعم تخيلوا أن الدولة قامت بتصفية كل مكونات القطاع العام ما عدا الدفاع والداخلية والعدل والمالية، ووفرت لكل المواطنين التأمين الصحي ودفعت رسوم الدراسة في أرقى المدارس والمعاهد والجامعات ووزعت ستة مليارات على المواطنين فردا فردا ليكون لكل فرد سنويا 4000 دينار أو شهريا لكل فرد 333 ديناراً فيكون نصيب الأسرة المكونة من خمسة أفراد 1665، هذه الستة مليارات تتكون من مليار ونصف المليار بدل الدعوم، ومليار ونصف المليار توزيع 25% من صافي أرباح الاستثمارات الخارجية والمحلية، وثلاثة مليارات دعم عمالة، لأن كل القطاع العام ستتم خصخصته وكل موظفيه يذهبون للقطاع الخاص، وللتفصيل راجع مقالاتنا السابقة فقد فصلنا القول في ذلك.
ولو تخيلنا أن الدولة حررت الأراضي للمشاريع التي تصب في مصلحة وتنمية المجتمع، فمثلاً يتم توفير الأرض للمشروع بسرعة مع كل التراخيص وبضوابط عدم تملك العقار وعدم استخدامه لغير الغرض المخصص له، وإيقاع أقسى العقوبات على المخالف، وسحب الأرض والنشاط منه في حال تجاوز المستثمر مدة إنشاء المشروع أو عجزه عن التنفيذ، الأمر ينطبق على المستشفيات والمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية فتُزاح عن النشاط الذي لا يحقق النتائج المطلوبة وفق المعايير والشروط العالمية.إن الأساس الأعمق للأزمة الاقتصادية الراهنة في الكويت يتمثل بوجود إنفاق حكومي والتزامات مالية ضخمة تذهب إلى وحش اسمه الدولة العميقة أو قوى الجشع التي عبر عنها رمز الإصلاح النائب السابق حمد الجوعان، رحمه الله، حين قال إن "الفساد جرثومة تنتشر في جسد الوطن"، داعيا الى "القضاء على ما أسماه السلطة الرابعة، وهي سلطة الفساد التي خرجت من رحم المصالح وأصحاب النفوذ لتتجاوز على الدستور وتتمدد في محاولة لابتلاع البلد". إن الدولة تنفق على القطاع العام الذي يشمل التعليم بكل مراحله، والصحة، والكهرباء والماء والموانئ والمطارات، والمواصلات، والبريد والاتصالات الثابتة، والصناعات النفطية، وهذا الإنفاق يذهب في شكل مناقصات وعقود يشوبها التنفيع والمبالغة في الأسعار، فيغذي وحش الجشع كما أن الدولة تقدم خدمات مجانية كتشخيص وعلاج ودواء وخدمات بأسعار متدنية للمواطنين وغير المواطنين من عمالة الشركات، ولا تفرض ضرائب ولا يتم تسعير الخدمات والسلع التي ينتجها القطاع العام تسعيرا عادلاً ومطابقاً للأسعار نفسها في دول مجلس التعاون.الدولة لا تُلزِم القطاع الخاص بتوظيف ما نسبته 50% على الأقل من العمالة الكويتية كحد أدنى في البداية، ولا تحرر الأراضي وتفتحها للنشاطات السكنية والصناعية (سلع/ خدمات)، فيرتفع سعر العقار والقيمة الإيجارية للعقارات في ظل تغيير الأنشطة للعقارات فتصبح بقرار القسائم الصناعية تجارية فترتفع الى مبالغ خيالية في ظل الاحتكارات وإغلاق الأراضي وعدم تحريرها.وأخيراً الدولة لا تقضي على الخلل في التركيبة السكانية في ظل تجارة الإقامات، فهذه الأعداد الهائلة من العمالة الهامشية تعبئ البنايات السكنية والتجارية وتتضخم مصروفات الدولة على المستلزمات السلعية من أدوية وغيرها، فضلا عن إصلاحات البنية التحتية المستهلكة والمستفيد من كل ذلك قوى الجشع.هذا الوضع هو الرحم اللعين الذي تتخلَّق فيه أفاعي السلطة الرابعة أو الدولة العميقة أو قوى الجشع، فلا بد من إعدام هذا الرَّحم بتخلي الدولة عن القطاع الإنتاجي كله، وأن تسنده إلى الشركات في ظل نظام ضريبي صارم وقانون منع الاحتكار وقانون يفرض تكويت الوظائف في القطاع الخاص وفتح المجال لدخول الشركات العالمية ذائعة الصيت والسمعة في مجال الصحة والتعليم والبريد وإدارة المطارات والموانئ والبناء السكني... إلخ. ففي هذه البيئة ستموت كل أفاعي وقوارض قوى الجشع والنهب.
مقالات - اضافات
الحل المسكوت عنه لأزمة عجز الموازنة
25-06-2021