نقطة: تغريزة..
يُنسب لابن خلدون قوله عن دورات الدول والحُكم بأنّ الأيام الصعبة تُخرج رجالاً أقوياء، والرجال الأقوياء يصنعون الرخاء، والرخاء يُخرج رجالاً ضعفاء، والرجال الضعفاء يتسببون في أيام صعبة... دورتنا بالكويت مختلفة، لكنها تنتهي بأيام صعبة في كل الأحوال.تبدأ دورتنا غالباً حين تمتنع السلطة في مرحلة ما ولظروف معيّنة عن التدخّل في الانتخابات أو تخسر رجالها رغماً عنها، فتفوز في الانتخابات أغلبية شعبوية تعمل بطاقة المزايدات، سواء من هواة النجومية ودخول التاريخ، أو ممن افتقد منافع سابقة ويبحث عن مصدر رزق جديد، ونظراً لضعفها الفكري والسياسي وعوضاً عن تمرير أجندتها وإقرار قوانينها، التي يفترض أنها أهم وأبقى من الرقابة الانتقائية الزائفة.تشتبك هذه الأغلبية مع الحكومة في الشكليات والفوارغ من الأمور بلا منهج واضح أو مبادئ ثابتة، فينحلّ المجلس أو يُنهي مدته بلا طائل، وتضطر السلطة بعدها إلى التدخل في الانتخابات التالية بقوة لإنجاح نواب يدافعون عنها؛ ظالمة أو مظلومة، أو الشراء من السوق بعد ظهور النتائج، وهنا تتحول الأغلبية السابقة إلى أقلية مؤثرة، في هذه المرحلة.
ولأنّ الحكومة لا تملك في المقابل أي رؤية أو خطة، وتريد ترضية الجميع لتشتري الحاضر على حساب المستقبل، فإنها لا تستفيد من أغلبيتها المريحة لتقدم شيئاً مفيداً للناس يمكث في الأرض ويمنحها ثقتهم، فتستغل المعارضة القابلة للازدياد العددي دائماً -نظراً إلى انعدام الشروط المبدئية أو الأخلاقية للانضمام لها- حالة الحنق والتذمر والسخط المتزايد لدى الناس من الأداء الحكومي الباهت، فترجع إلى المزايدة في العموميات والشعارات المحفوظة من غير فهم أساسها وتطورها التاريخي، وتبدأ دورة المظلومية حتى تفوز بالأغلبية في الانتخابات اللاحقة وترجع إلى الاشتباك مع الحكومة بالفوارغ والتوافه، مثلما هو جارٍ أمامكم الآن، فترجعنا "الحيّة" للمربع الأول.وإلى أن تنكسر الدائرة؛ سواء حين تنضج المعارضة الدوغمائية وتتحرر من الأيادي الخفية وتطوّر من نفسها وأفكارها، وتتخلص من نفاقها وازدواجيتها ونرجسيتها، أو تكون للحكومة رؤية حقيقية جادة تراعي طموحات الناس وقضاياهم وتواكب تحديات المستقبل، وتعي ما يجري في الدول المجاورة على الأقل من تغيّرات وتطورات، سنظل نكرر السيناريو نفسه، والعالم يركض ويتغير بسرعة الضوء من حولنا ونحن واقفون مكاننا نواجه أيامنا الصعبة.