لبنان يدخل في مرحلة رفع الدعم ونصرالله لن يقدم مبادرات حكومية
كل ما في لبنان قد تغيّر، وكما أُفرغت السياسة من مضمونها، تُفرّغ المؤسسات والقطاعات من لوازمها، إنه الانهيار غير المكتمل، لكنه المستمر بالتفاقم. لقاءات واجتماعات تنعقد لبحث حجم الارتطام الكبير أو كيفية تأجيله، من دون إيجاد المعالجات اللازمة. كل القطاعات تفرغ من مخزونها؛ من المحروقات إلى المستشفيات والصيدليات، حتى المصارف بدأت بوضع المزيد من السقوف على سحب الأموال بالليرة اللبنانية بعد افتقاد الدولار، وخوفاً من الانعكاس السلبي على سعره المستمر في الارتفاع.
ثمة قناعة راسخة بأن وجه لبنان يتغيّر. طبيعته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية انقلبت رأساً على عقب.في السياسة، لا حلفاء ثابتين ولا علاقات مستمرة. خلافات تحول دون تشكيل حكومة، فأصبح الجميع يركز على الانتخابات النيابية. وبعد تطورات الأيام الماضية، وإطاحة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الحكومية، طالباً تدخل «حزب الله»، عُقد لقاء بين باسيل ووفد من الحزب أعاد فيه الأخير تأكيد دعمه لبري ومبادرته، وطلب من باسيل وقف سياسته التصعيدية. وافق باسيل، لكنه لم يقدم أي طرح جديد يحمل تنازلاً عن شروطه، بل دافع عن موقفه، مما يعني أن عملية تشكيل الحكومة على حالها.والضغط الذي تعرض له «حزب الله» فرض على أمينه العام حسن نصرالله تحديد موعد لكلمة اليوم، سيخصص معظمها للشأن الداخلي. وبحسب ما تؤكد المعلومات، يريد نصرالله وضع النقاط على الحروف بالنسبة إلى موقف حزبه، الذي يقوم على دعم بري سعياً وراء الحفاظ على الاستقرار داخل الطائفة الشيعية، وفي الوقت نفسه تجنب أي نتوءات في العلاقة مع عون وباسيل، والحفاظ على علاقة «ربط النزاع» مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. وتكشف مصادر قريبة من الحزب أن جوهر كلمة نصرالله سيكون في إطار الحفاظ على مبادرة بري، ورفع مسؤولية التعطيل عن الحزب، من خلال التوجه لكل الأفرقاء بضرورة التوافق لتشكيل حكومة. وعلى إيقاع الاستعصاء السياسي، تستمر الأزمات الاقتصادية بالتفاقم، لاسيما أزمة المحروقات وانعكاسها على كل القطاعات، بالإضافة إلى الأزمة الطبية بفعل فقدان المواد الأساسية، التي سينتج عنها مشاكل اجتماعية متعددة، لا تبدو السلطة السياسية قادرة على اتخاذ قرار لمعالجتها، خصوصاً أنها وقعت بين منزلتين: إما الاستمرار بحالة الاستنزاف القائمة، وبالتالي فقدان المواد الأساسية من الأسواق، وإما الاتجاه إلى رفع الدعم عن هذه السلع الضرورية، وهو أمر لا اتفاق سياسياً حوله، خصوصاً أن «حزب الله» لا يزال يعلن رفضه لسياسة رفع الدعم.في هذا الإطار، عقد أمس اجتماع في القصر الجمهوري، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، حضره وزيرا المالية والطاقة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لبحث رفع جزء من الدعم عن المحروقات، ودعمها على سعر 3900 ليرة بدلاً من سعر 1500 ليرة للدولار، مما يعني تسجيل ارتفاع كبير في أسعار المحروقات بحال نفذ هذا القرار. لم يشارك رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بالاجتماع، في مؤشر على استمرار الخلافات بينه وبين عون الذي يدير كل شؤون الدولة، وكأن لا حكومة، كما أن دياب يرفض المشاركة في مثل هذا الاجتماع كي لا يكون شريكاً في البدء بسياسة رفع الدعم.وغير بعيد عن هذه الملفات، يستمر المجلس النيابي بمناقشة قانون البطاقة التموينية للمواطنين، والتي يفترض أن تكون الحلّ البديل لسياسة رفع الدعم، إلا أن الخلاف الأساسي يبقى حول مصادر تمويلها غير المتوافرة، فالمصرف المركزي يرفض تمويلها بدون إقرار قانون يسمح بالمس بالاحتياطي الإلزامي، وهو عبارة عن «أموال المودعين»، في حين يرفض المجلس إقرار مثل هذا القانون. طريقة البحث في البطاقة التموينية تنطوي على خلفيات وحسابات انتخابية، مما يعني أن إقرارها من دون دراستها كما يلزم، سيكون نوعاً من الرشوة الانتخابية المقدمة للمواطنين، وستؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، وستكون نتيجتها المزيد من الأعباء على الناس وخزينة الدولة. هنا، تقول مصادر سياسية بارزة إن ما ستشهده الأيام المقبلة هو الدخول في حقبة رفع الدعم، بفعل الأمر الواقع، ومن دون اتخاذ القرار بشكل علني.