لم تعد البنوك الكويتية وحدها هدفاً محدداً للهاكرز والمحتالين، بل اقتحمت في سابقة غير معهودة الشركات الكويتية المدرجة، وكان من أبرزها الأسبوع الماضي الشركة التجارية العقارية إحدى أعرق شركات قطاع العقار في السوق وأكبرها حجماً.

لكن التعدي والاختراق الذي حدث، وتمكُّن الهاكرز من تحويل نحو ما يقرب من 4.4 ملايين دينار كويتية تقرع كلها جرس الإنذار الأكبر والأخطر لكل الشركات المدرجة وغير المدرجة والمدير للأصول والثروات، باتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر ومواكبة العالم التكنولوجي والتقني الجديد المذهل والمتغير.

Ad

مصادر مالية تحدثت إلى «الجريدة» محذرة من الآتي: بعد فشل الكثير من المحاولات في اختراق أنظمة البنوك نتيجة استثمارها عشرات الملايين من الدنانير في أنظمة معقدة ومشفرة والاستعانة بكفاءات وكوادر مدربة والأكثر من ذلك عمل حماية مزدوجة من داخل الكويت وخارجها، لجأ هؤلاء المحتالون والهاكرز المتخصصون إلى اختراق أنظمة وحسابات الشركات والتوجه نحو الشركات الرديفة والأخرى من غير البنوك والقطاع المالي.

وباستثناء القطاع المصرفي، يمكن القول، إن كل الشركات حالياً في مرمى الاحتيال وعليها اتخاذ التدابير العاجلة والوقائية بأقصى سرعة ممكنة فما حدث مع «التجارية» قابل وممكن أن يتكرر مع أي شركة أخرى.

ودعت المصادر إلى ضرورة أن تعي الشركات المالية وعموم المدرجة أهمية القطاع التكنولوجي والتقني، الذي بات يمثل عصب أي شركة خصوصاً مع الاتجاه العالمي نحو التشغيل «أونلاين» وإلكترونياً لأكثر من 75 في المئة من الأعمال والعمليات المالية، علاوة على أن كل بورصات العالم حالياً يتم التعامل معها عن بعد وغيرها من آلاف العمليات الخاصة بالشراء والبيع الإلكتروني في سوق التجارة الإلكترونية، الذي يشهد دورة رأسمال بمئات المليارات من الدولارات سنوياً.

نصيحة مصرفية

بمَ نصحت البنوك وهي الأكثر خبرة ودراية: تشير مصادر معنية في هذا الصدد إلى أن قطاع التكنولوجيا بات يمثل عصباً يفوق قطاع المخاطر الذي برز عشية الأزمة المالية العالمية الماضية أواخر 2008، وتصدر المشهد حالياً مطورو التقنيات الحديثة والبرامج، إذ باتوا يمثلون صمام الأمان خصوصاً أن أي تعدّ على أي بنك أو شركة يضعف سمعة البنك أو الشركة ويزعزع ثقة المساهمين والمستثمرين، ومن هنا تأتي أهمية الاستثمار والانفاق على الجانب التكنولوجي لتعزيز أنظمة الأمان.

وشددت المصادر على أن هناك مرتكزين أساسيين مكملين لبعضهما بعضاً أي العنصر البشري المدرب، وهو شحيح ونادر خصوصاً الكفاءات الماهرة، والمرتكز الثاني تخصيص ميزانية سنوية للإنفاق على التطوير والتحديث خصوصاً أن التكنولوجيا باتت كالرمال المتحركة متغيرة بسرعة مذهلة وتحتاج إلى متابعة ومواكبة للمستجدات ومجابهة تعقدياتها وتشفير الأنظمة ومراقبتها على مدار الساعة.

التمسك بالكفاءات والكوادر التي تعمل في الكيانات والشركات فترات طويلة خصوصاً أنها تحمل خفايا أنظمة الشركة، بالتالي التفريط فيها بسهولة يمثل أعباء ومخاطر إضافية على الكيان، كما يرهق الشركة مالياً استمرار التدريب والتأهيل لأي كوادر جديدة.

هل فعلاً الشركات ضعيفة؟

أمام الاختراق الأخير تطرح مصادر تساؤلاً هل فعلاً الشركات ضعيفة؟ ويجيب مسؤولون بأن الكثير من الشركات لا تزال تعمل بشكل بدائي وباحترافية شبه منعدمة خصوصاً فيما يخص الجانب التكنولوجي، إذ يتم التقشف في الصرف على مثل هذه الأبواب مقارنة بالمميزات والمكافآت للإدارات العليا في بعض الشركات.

أيضاً ضعف شديد في قراءة الواقع التكنولوجي وتطوراته وتعقيداته وكذلك إهمال شديد للدراسات والأبحاث والإطلاع على الثورة التكنولوجية العالمية، بسبب تقليص النفقات والمصاريف إذ تتم معاملة هذا الشق معاملة أي مصاريف أخرى بالرغم من أهميتها الاستراتيجيية.

وتشير المصادر إلى أن اختراق واحد كلف شركة 4.4 ملايين دينار أي ما يعادل 14 مليون دولار علماً أن إنفاق 2.5 في المئة من هذا المبلغ كفيل بتوفير أقصى حماية للشركة وبفائض مالي ويحمي سمعة الشركة وثقة المستثمرين فيها.

دور الجهات الرقابية

في سياق متصل، قالت مصادر متابعة إن الجهات الرقابية عموماً بات عليها مسؤوليات أكبرمن مجرد التدقيق في أعمال الشركات، بل التنبيه الدائم على حماية حقوق المساهمين عبر تعزيز كافة أنظمة الحماية واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، والذهاب حتى إلى طلب تقارير دورية عن جوانب الحماية والتقنية.

في الجانب الآخر، يجب تقديم إفصاحات أكثر شفافية بحيث يتم تعريف المساهمين بما إذا كانت الأموال تم السطو عليها فعلياً وتحولت إلى حساباتهم أم مجرد تلاعب وتزوير على مستندات ولم تكتمل العملية.

استنفار وترقب وحذر

في سياق متصل، أفادت مصادر بأن البنوك شهدت عملية استنفار الأسبوع الماضي بعد واقعة «التجارية» إذ تمّت عمليات مراجعة واتخاذ تدابير إضافية، كما قامت العديد من شركات الاستثمار المديرة للأصول وغيرها من القطاعات بعقد اجتماعات مباشرة وعاجلة مع مسؤولي التكنولوجيا وتمت مطالبتهم بالحذر واليقظة واتخاذ المزيد من الإجراءات الاستباقية.

في السياق ذاته، شددت مصادر تقنية مصرفية على أن مستقبل العالم المالي والاستثماري والاقتصاد عموماً نحو الرقمنة ويحتاج فقط الى تعزيز تلك الثقافة والاستثمار فيها وتخريج كوادر بشرية مؤهلة ومدربة وعدم التقشف في هذا الميدان.

محمد الإتربي