احتلال مقاعد الوزراء وحقوق عضويتهم بالمجلس المصونة برلمانياً وقضائياً
احتلال مقاعد الوزراء للحيلولة بينهم وبين حضور اجتماعات المجلس ينطوي على حرمان أعضاء بالمجلس من أبسط حقوق العضوية، وهو حقهم في حضور اجتماعاته، وحيث تنص المادة (80) من الدستور على أن "يعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة، أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم". موقف سياسي
وهو موقف سياسي، لا تعليق لي عليه سوى أن الحكم عليه سيكون للتاريخ في تجربة ديموقراطية ترفرف بظلالها على أرجاء الوطن العربي كله، وغني عن البيان، فإن حقوق العضوية في المجلس، هي حقوق مصونة برلمانيا وقضائيا، إعمالا لأحكام المادتين (110) و(111) من الدستور، وأن الوزراء يتمتعون بهاتين الحصانتين، مثلهم مثل سائر الأعضاء المنتخبين، وهو ما سنفرد لكل من هاتين الحصانتين مقالاً للتأكيد على انطباقهما على الوزراء.لذلك تخيلت في المقابل، ووفقا لنظرية المعاملة بالمثل، لو أن الحكومة، بإمكاناتها الأمنية الكبيرة، وضعت كمينا قرب المجلس لمنع عضو واحد من حضور اجتماعات المجلس، لقامت الدنيا ولم تقعد في المجلس، تنديداً بموقف الحكومة، وقد يكون موقفا سياسيا أيضا، ولدوت في قاعة عبدالله السالم، صرخات الأعضاء واللعنات على الحكومة.المنظور الدستوري إلا أن هذا الحدث الجلل من منظور دستوري، يعتبر انتهاكا لحقوق الوزراء في عضوية المجلس وأولها حق حضور اجتماعاته، بل لقد غالى الدستور، إذ اعتبر حضور الحكومة واجبا عليها، لا تملك التنصل منه، عندما نصت المادة (116) من الدستور على وجوب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو بعض أعضائها، وهو التزام لم يفرضه الدستور على أي عضو آخر من أعضاء المجلس حتى رئيس المجلس، تقديراً لأهمية دور الحكومة، التي ترتبط إنجازات المجلس كلها من تشريعية ورقابية بحضورها، وما تقدمه للمجلس من بيانات ومعلومات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أعطت هذه المادة الوزراء حقا لم تعطه لسائر أعضاء المجلس حتى رئيس المجلس فيما نصت عليه من أنه: "يسمع رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام، ولهم أن يستعينوا بمن يريدون من كبار الموظفين أو ينوب عنهم، وللمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته"، وذلك تقديراً واحتراماً لحقوق الأقلية، التي هي جوهر الحكم الديموقراطي. حقوق الأقلية حيث تنص المادة (56) من الدستور على أنه: "لا يجوز أن يزيد أعداد الوزراء جميعا على ثلت أعضاء مجلس الأمة"، فأصبح الوزراء بذلك أقلية في المجلس يتمتعون بما تتمتع به أي أقلية في أي نظام برلماني من حقوق. إن الديموقراطية تقوم على مبدأ أساسي هو احترام رأي الأقلية وإفساح الصدر لها في أن تعبر عن رأيها وأفكارها وتصوراتها، فكما أن للأغلبية قرارها فللأقلية حقوقها، ويبدو هذا النظر أكثر إلحاحاً عندما يتعلق الأمر بالحكومة وهي سلطة دستورية موازية للسلطة التشريعية، فضلاً عن كون الوزراء أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم، تشارك في مناقشة القوانين وإقرارها، وتقدم للسلطة التشريعية ما لديها من بيانات ومعلومات وحقائق ودراسات قد تغيب عن كثير من أعضاء مجلس الأمة، ودور الحكومة باستخدام أعضاء المجلس لأدوات الرقابة البرلمانية كاملة لا يقل أهمية عن دورها التشريعي، فهي التي ترد على الأسئلة البرلمانية والاقتراحات بالرغبة وعلى كل ما يتعلق بالتحقيق البرلماني أو بطلبات المناقشة العامة فضلا عما تقدمه للمجلس من بيانات ومعلومات تتعلق بالميزانية العامة للدولة أو الحساب الختامي، وهما أقدم أدوات الرقابة البرلمانية. والاعتراف بحقوق الأقلية هو جوهر النظام الديموقراطي وجوهر تداول السلطة فيه، بل هو اعتراف بمشروعية تعدد الآراء، وأن أحداً لا يملك الحقيقة كاملة، وأن أحداً لا يملك الزعم بانفراده بقول الصواب، كما لا يملك مصادرة حق الآخرين في إبداء الرأي.فاختلاف الآراء هو ثراء للفكر، وصراعها هو الذي يومض شعاع الحقيقة، والحوار هو وسيلة المجتمع إلى بقائه وارتقائه، وأن دور الحكومة هو إيجاد التوازن والتناسق بين المصالح التي قد تتعارض بقدر ما يتكون المجتمع من أفراد وجماعات لكل مجموعة مصالحها التي تكرس كل جهودها للوصول إليها، والتي قد تتعارض مع مصالح غيرها من المجموعات أو مع مصلحة عليا أولى بالاعتبار، فيأتي دور الحكومة ليعبر عن هذه المصلحة ويقيم التوازن والتناغم بين هذه المصالح في إطار من التعاون مع نواب الأمة في مواجهة جماعات الضغط المعروفة في الأنظمة السياسية في العالم كله. يقول المولى عز وجل "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ".وللحديث بقية حول كل من حصانة الوزراء البرلمانية وحصانتهم القضائية، إن كان في العمر بقية.