إسقاط الإقامات يُبعِد العمالة المنتجة ويُعمق أزمة التركيبة السكانية

سقوط إقامة 447 ألف وافد لم يعوضه إحلال العمالة الوطنية في الوظائف الشاغرة

نشر في 27-06-2021
آخر تحديث 27-06-2021 | 00:04
فرضت جائحة «كورونا» تداعياتها السلبية على مختلف دول العالم، وانعكس الوباء محلياً على كل القطاعات، التي عانت تراجعات حادة في أدائها ونشاطها وعوائدها.

ويمثل الواقع السكاني أحد تجليات الأزمة، ففي موازاة ما رآه البعض من أن تداعيات الجائحة قد تؤدي إلى معالجة، ولو جزئية، لـ«أزمة التركيبة السكانية»، بدا واضحاً أن نتائج الوباء زادت من حدة الأزمة، رغم مغادرة مئات الآلاف من العمالة الوافدة، ومن المتوقع أن يبدأ قسم من هؤلاء العودة من بداية أغسطس المقبل بناء على قرار مجلس الوزراء بالسماح لغير الكويتيين بدخول الكويت اعتباراً من ذلك التاريخ بشرط تلقي اللقاح، وقضاء فترة حجر، وإجراء فحص «PCR».

في مقاربة للوضع السكاني منذ بدء الجائحة عام 2019، تشير بيانات الإدارة العامة للإحصاء إلى أن عدد السكان خلال 2019 بلغ 4.77 ملايين نسمة، منهم 1.43 مليون مواطن، و3.34 ملايين وافد.

وبحسب البيانات عينها، فإن أعداد الوافدين تتوزع بين 2.52 مليون موظف، في حين بلغ عدد غير العاملين 822 ألفاً. ويتوزع عمل غير الكويتيين على النحو التالي: 120 ألفا في القطاع العام، و1.657 مليون في القطاع الخاص، إضافة الى 745 ألفاً من العمالة المنزلية.

أما نسبة العمالة بين الكويتيين، فبلغت زهاء 417 ألفا، بينهم 354 ألفاً يعملون في القطاع الحكومي، و63 ألفاً في القطاع الخاص.

وبينما استقرت أرقام العمالة الكويتية على حالها خلال عام 2020، فقد تراجعت العمالة الوافدة تحت تأثير تداعيات "كورونا"، سواء لجهة تراجع فرص العمل ووقف الأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدمية وغيرها، ومغادرة عشرات الآلاف من الوافدين البلاد نهائياً، أو لجهة عدم قدرة الوافدين العالقين في الخارج على العودة الى الكويت، مع إقفال باب العودة أمام غير الكويتيين بدءاً من مطلع 2021، وبعدما كانت الحكومة فرضت شروطا صعبة لعودة الوافدين عن طريق دول غير بلدانهم، وهو الأمر الذي تسبب في إلغاء إقامة عشرات الآلاف.

وفي تداعيات نزيف العمالة على القطاعات الاقتصادية يشير رئيس مجلس ادارة شركة سدير للتجارة والمقاولات طارق المطوع، إلى أنه ليس هناك عمالة كافية في السوق المحلي لتشغيل المصانع بكامل طاقتها الانتاجية، حيث ان المصانع تعمل بطاقة لا تتجاوز 40 في المئة.

وبين المطوع أن نقص الايدي العاملة المتخصصة ساهم في رفع أجور العمالة الموجودة في البلاد، بل وتضاعفها، مما رفع تكاليف "المصنعية"، وبالتالي انعكس سلبا على أسعار مواد البناء، موضحا ان هناك العديد من المستثمرين والمواطنين أجلوا عملية التطوير والبناء.

وأوضح أن الأزمة التي تشهدها البلاد جاءت بسبب جائحة كورونا، وإغلاق المطار ومنع العمالة من دخول البلاد، متوقعا ان تستمر هذه الازمة في ظل وجود المتحورات وبطء عملية التطعيم في دول تعتمد الكويت على عمالتها.

وأردف انه بالرغم من ان الازمة ليست محلية، فإن على الحكومة وضع خطوات تنفيذية لعودة العمالة من الخارج، والعمل على انشاء مدن عمالية حتى لا تكون هناك أزمة مستقبلية.

نقص عمالة

بدوره، قال الخبير الصناعي احمد النوري، إن هناك نقصا كبيرا في الايدي العاملة، وهذا انعكس سلبا على العديد من القطاعات منها المقاولات والصناعة، موضحا أن الاجور اليومية لعمالة المقاولات والبناء ارتفعت بنسب تراوحت بين 50 و100 في المئة، وهذه تعتبر ارتفاعات كبيرة أثرت على سير عملية البناء.

وأشار النوري الى ان بناء منزل "هيكل اسود" كان يكلف ما يقارب 70 ألف دينار، أما الآن، في ظل ارتفاع الايدي العاملة ومواد البناء، أصبحت تكلفته 100 ألف دينار.

وتابع ان عددا كبيرا من العمالة الفنية العاملة في القطاع الصناعي تقدمت باستقالتها، وذلك لوجود فرص واغراءات من شركات أخرى، مما دفع الشركات الى تقديم تسهيلات، وذلك للمحافظة على جهازها الفني من العمالة.

وذكر أن على الجهات المعنية وضع آلية واضحة لعودة العمالة من الخارج، اضافة الى سلامة المنظومة الصحية وعدم تأثرها، مشيرا الى ان استمرار الاجور في الارتفاع لا يصب في مصلحة المواطن، ولا الشركات العاملة في كل القطاعات.

وأكد أنه يجب أن تكون هناك جهة تتابع كل المتطلبات وقراءة المتغيرات التي تطرأ على القطاعات الاقتصادية، وان تكون هناك خطوات تنفيذية لسد احتياجاتها بالوقت المناسب، وذلك حتى لا تكون هناك أزمة تنعكس سلبا على المواطن او المستثمر.

أزمة المطاعم

ومن جانبه، قال رئيس الاتحاد الكويتي للمطاعم والمقاهي والتجهيزات الغذائية فهد الأربش، ان قطاع التجهيزات الغذائية يعاني نقصا شديدا في الايدي العاملة بمختلف انواعها، إذ ارتفعت أسعار العمالة الفنية المتخصصة ما بين 80 و100 في المئة، في حين بلغ الأجر الشهري لعامل النظافة 250 دينارا.

وأوضح الأربش ان جائحة كورونا وما صاحبها من اغلاقات واختلالات اقتصادية، اضافة الى بعض القرارات الحكومية مثل عدم التجديد للوافدين لمن بلغ عمر الـ 60 عاما، انعكست على القوى العاملة في السوق المحلي.

ولفت إلى أن قطاع التجهيزات الغذائية شهد خلال الفترات الماضية منافسة كبيرة لجذب العمالة المتخصصة، حيث أصبحت هناك استقالات بين تلك العمالة وانتقالها إلى مكان آخر، مما ادى الى رفع أجورها ورواتبها الشهرية.

وتابع أن استمرار ارتفاع الاجور، لا يصب في مصلحة المستثمر، وايضا سيؤثر حتما على المستهلك وعلى اسعار المنتجات، مشيرا الى ان الطاقة الانتاجية لعدد كبير من المطاعم انخفضت الى مستويات دنيا.

تباينات حادة

وفي لغة الأعداد يبدو أن ثمة تباينات كبيرة بين الجهات الحكومية، التي لم تفصح عن أرقام موحدة لأعداد العمالة، الذين سقطت إقاماتهم، ففي حين يحصيهم المدير العام لشؤون الاقامة في وزارة الداخلية العميد محمد الطوالة بـ 182393 شخصاً حتى 10 يناير 2021، تشير إدارة الإحصاء الى ارقام مضاعفة، وتظهر بيانات الاحصاء في مايو 2021 إلى أنه تم إلغاء 447 ألف إقامة في 2020 فقط، منها 276 ألفا لعاملين في القطاع الخاص، و14 ألفاً في الحكومة، و94 ألفا من العمالة المنزلية، و63 ألف التحاق بعائل.

واستناداً الى مصادر أمنية أخرى، تسببت تداعيات جائحة كورونا والاجراءات المشددة حيالها في منع عودة 468 ألف مقيم علقوا في الخارج، علماً بأن الذين سقطت إقاماتهم بسبب الجائحة بلغ عددهم 205 آلاف مقيم، كما أن اعداد مخالفي الاقامة، وفق الحاسب الآلي لـ "الداخلية"، بلغت 135 ألفاً حتى بداية أبريل الماضي.

هذه التباينات في الأعداد، بالرغم مما تظهره من عدم التنسيق بين الجهات الرسمية المعنية بالتركيبة السكانية، تكشف في المقابل عن أن هذا التراجع في اعداد العمالة الوافدة لم يكن على الاطلاق في خدمة تعديل التركيبة السكانية، بدليل أنه لم يقابل هذا النقص في حجم هذه العمالة زيادة في إحلال العمالة الوطنية محلها، وبالتالي فإن التداعيات أدت الى المزيد من الحدة التي تجلت في انخفاض اداء القطاعات الاقتصادية والانتاجية والخدمية في البلاد على مدى العام الماضي، والربع الاول من العام الحالي.

وبحسب مصادر في "القوى العاملة"، فإن القسم الأكبر من الذين سقطت اقاماتهم هم من القوى المنتجة، وليسوا من العمالة الهامشية او من مخالفي الاقامة، وهما الفئتان اللتان يرتبط اي علاج للتركيبة السكانية بحل لهما، لأنهما تشكلان الفائض غير المنتج من العمالة. علماً بأن تقديرات "الداخلية" تتحدث عن اكثر من 180 ألف مخالف للاقامة، بالاضافة الى نحو 70 ألفاً من الوافدين بتأشيرات زيارة، والذين تم تجديد إقامات قسم كبير منهم.

غادر بأمان

وتحت تأثير تداعيات "كورونا" لم تفلح حملة "غادر بأمان"، التي نفذتها "الداخلية" في الربع الثاني من 2020، في تحقيق مستويات عالية من الاهداف، لجهة تحفيز مخالفي الاقامة على تسوية أوضاعهم ومغادرة البلاد، في موازاة أكثر من 170 ألف مخالف، لم يتقدم أكثر من 23500 مخالف من جنسيات متعددة تم إبعادهم لاحقاً عن البلاد في ظل أزمة شهدتها مناطق الايواء عقب إحجام بعض الدول عن استقبال رعاياها.

وتشير مصادر أمنية إلى أنه برغم الأعداد الكبيرة لمخالفي الإقامة، فإنه يتعذر حالياً تكرار تجربة حملة "غادر بأمان"، كما يتعذر شن حملات كبرى لضبط المخالفين، بالرغم من بعض التوجهات في هذا السياق، لاسيما في ضوء تداعيات "كورونا" التي تحول دون توقيف المخالفين في مراكز للإبعاد لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر تفشي الجائحة. وبالتالي فإن أي حل لموضوع مخالفي الاقامة لن يكون متاحاً قبل انحسار تداعيات "كورونا"، علماً بأن اعداد المخالفات تتراكم سنوياً ولم تنفع معها بعض اجراءات الإبعاد، التي لم تناسب زيادة اعداد المخالفين او المحكومين بالإبعاد، ففي عام 2018 جرى ابعاد 34 ألف مخالف، وفي عام 2019 أُبعد 40 ألف مقيم، ليتراجع العدد في 2020 إلى 13 ألفاً فقط، ما عدا المغادرين في حملة غادر بأمان.

خسائر القطاعات

واستناداً إلى بيانات ادارة الاحصاء، فقد بلغ عدد غير الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي، خلال عام 2020 زهاء 97515 (باستثناء اعداد اخرى مسجلة على عقود حكومية تقدر بـ 20 الفاً تقريباً)، وبناء على تقديرات "الاحصاء" فإنه تم إلغاء اقامة 14 الفاً من العاملين بالقطاع الحكومي عام 2020، مما يعني تراجع عدد العاملين إلى 73 ألفاً تقريباً، أي بتراجع نسبته 14.3 في المئة.

أما بشأن غير الكويتيين العاملين في القطاع الخاص، فقد بلغ عام 2019 نحو 1.657 مليون موظف، ومع سقوط إقامة 276 ألفاً منهم عام 2020 يكون القطاع الخاص قد فقد 16.6 بالمئة من جسمه الوظيفي.

وعلى صعيد قطاع العمالة المنزلية، فقد سقطت عام 2020 إقامة 94 ألفاً من أصل 733 ألفاً، أي بنسبة 12.8 بالمئة.

وتنسحب خسارة العمالة الوافدة على عدد كبير من القطاعات، أبرزها القطاع الزراعي الذي يشير معنيون فيه الى مغادرة نحو 40 بالمئة من العاملين بالمزارع، إضافة إلى العاملين بالقطاع الصحي، علما بأن مغادرة بعض الفئات كان نهائياً بسبب وجود حوافز أكثر جذباً في عدد من الدول المجاورة.

وبناء على هذا النقص الحاد في عدد العمالة الوافدة، والذي لم يعوضه إحلال المواطنين، يرى خبراء قطاع الأعمال في البلاد أن مضاعفات "كورونا" ستتضح أكثر بعد انحسار الوباء وعودة العمل بكامل طاقته في مختلف القطاعات، والذي سيكشف عن شغور كبير في الوظائف والأعمال، لاسيما أن العمل بطاقة غير كاملة اليوم لا يكشف حجم النقص الكبير في الأعمال.

جورج عاطف وسند الشمري

القطاع الحكومي خسر 14.3% من موظفيه و«الخاص» 16.6% والعمالة المنزلية 12.8% في 2020

العالقون بالخارج ليسوا من العمالة الهامشية والمخالفين... وتجاوز «كورونا» سيكشف الشغور الكبير في الوظائف

تباينات حادة في الإحصاءات الرسمية حول أعداد العمالة... والتكتم على الأرقام تفادياً لأزمة عدم التنسيق

23500 مخالف أبعدتهم حملة «غادر بأمان» في 2020... وتراكم المخالفين إلى 180 ألفاً يحتاج إلى معالجة جذرية

المصانع تعمل بطاقة لا تتجاوز 40% والحكومة مطالبة بخطة لعودة العمالة المطوع

أجور عمالة المقاولات ارتفعت من 50 إلى 100% وأثرت سلبياً على سير عملية البناء النوري

نقص شديد في عمالة التجهيزات الغذائية والأجر الشهري للفرد تجاوز 250 ديناراً الأربش
back to top