أصبح تطوّر مشاجرات بسيطة إلى قتال بالسيوف أو الأسلحة النارية في العراق أمراً منتشراً بكثافة، يسقط فيه ضحايا، غالباً على خلفية سبب بسيط مثل مباراة لكرة قدم أو ملكية بطّة.

قبل أسبوعين في محافظة ميسان في جنوب البلاد، قتل طفل وجرح أربعة أشخاص خلال تبادل لإطلاق النار برشاشات كلاشنيكوف وحتى قذائف صاروخية.

Ad

وتسبب بهذه «المعركة» شجار بين طفلين دون العشر سنوات، رفض أحدهما وهو ينتمي إلى عشيرة الفراطسة، إعادة مبلغ ألف دينار «أقل من دولار» اقترضه من صديقه من عشيرة البوعلي.

وتدخّل والد الأخير وضرب الطفل الآخر، ليتطور الأمر إلى اشتباك مسلح.

وقد يكون أسوأ ما في الأمر هو أن الضحايا الخمسة كانوا مجرد عابري سبيل ولا ينتمون إلى العشيرتين، كما أوضح لـ «فرانس برس» ستار جبار رئيس منظمة إنسانية غير حكومية لدعم الأيتام في ميسان.

بعد أسبوع، اندلع نزاع آخر بالسيوف في قضاء الكحلاء في المحافظة نفسها بين أشخاص من عشيرة النوافل، بسبب شتم أحدهم شخصية دينية نافذة، وقتل جراء ذلك ثلاثة أشخاص وجرح اثنان من أفراد العشيرة، وأوقف سبعة أشخاص بعد انتشار الشرطة لوقف تفاقم المشاجرة.

وقبل نحو شهر، أدّى خلاف خلال مباراة كرة قدم بين عشيرتي الفريحات والرسيتم إلى مقتل شخص وإصابة خمسة بجروح في ناحية بني هاشم الحدودية مع إيران، كما قال النقيب في الشرطة فارس مهدي لفرانس برس.

ولم تنته المشكلة إلا بعد تقديم عشيرة الرسيتم مبلغ 20 مليون دينار «حوالي 13300 دولار» كديّة أو تعويض لعائلة القتيل، خلال جلسة عشائرية مشتركة، وفق ضابط الشرطة.

وفي مدينة الكوت عاصمة محافظة واسط جنوب بغداد، قتل شاب عشريني بالرصاص خلال تبادل إطلاق نار وتراشق قنابل يدوية بين عشيرتين على خلفية نزاع حول ملكية بطة.

وأوضح مسؤول محلي لفرانس برس طلب عدم كشف هويته بأن نزاعاً بالرصاص اندلع بعدما تشاجرت امرأتان، إحداهما من عشيرة الحسنية والأخرى من عشيرة الزبيد على ملكية بطة لا يتعدى ثمنها خمسة آلاف دينار «حوالي 3,5 دولارات».

وينطوي هذا الموضوع على حساسية شديدة، فالقانون العراقي يعدّ مثل تلك الممارسات «إرهاباً»، يعاقب عليها بعقوبات مشدّدة تصل إلى الإعدام.

كذلك، تسعى المرجعية الدينية الشيعية التي تحظى بنفوذ واحترام كبيرين في عموم العراق وخصوصاً في المحافظات الجنوبية من البلاد، لوضع حدّ لتلك المشاجرات.

ودعا المرجع الشيعي الكبير في العراق علي السيستاني، خلال خطبة ألقاها ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي، إلى وقف هذه «الصراعات والتجاذبات... التي أدخلت البلد في دوامة عدم الاستقرار والتخلف».

يعتبر النائب عبود العيساوي رئيس لجنة التعايش السلمي البرلمانية أن تلك النزاعات سببها خصوصاً «انهيار الدولة بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003 وانتشار السلاح والمتاجرة به».

وتنتشر في عموم العراق الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، منهم 40% دون الـ14 عاماً، حوالى 7,6 مليون قطعة سلاح خفيف، وفقا لمسح أجري عام 2017، فيما قد يكون عدد الأسلحة غير المعلن عنها أكبر بكثير.

ولا تقتصر أسلحة العشائر على الرشاشات الخفيفة، فهي تملك صواريخ ومدافع رشاشة وعجلات مدرعة وأسلحة أخرى ثقيلة تستخدم أحياناً خلال القتال العشائري.

ويؤدي ذلك إلى وقوع نزاعات طويلة الأمد أحياناً قد تدوم سنوات.

ويتحدث الشيخ يعرب المحمداوي أحد زعماء العشائر في البصرة في أقصى جنوب البلاد لـ «فرانس برس» عن «نزاع بدأ منذ ثماني سنوات ولا يزال متواصلاً حتى يومنا هذا، قتل خلاله سبعة اشخاص وأصيب 14 آخرون، على خلفية قرض قيمته 28 مليون دينار (حوالي 19 الف دولار)».

وحمّل الشيخ «المسؤولية للدولة التي ينبغي عليها حصر السلاح بيدها» فقط، معتبراً في الوقت نفسه أن «المجتمع كذلك يتحمل مسؤولية، إذ ينبغي عليه تغليب لغة الحوار على لغة السلاح».

وقد تتكرر المآسي كالتي حصلت في محافظة الديوانية النائية، فحينما دخل ديك من دون إذن إلى منزل الجيران لملاحقة دجاجاتهم، اندلع اشتباك مسلح بين عشيرتين أدى إلى مقتل شخصين وإصابة ثلاثة بجروح.