سحل نزار... ليس حدثاً عابراً
خرج حياً من منزله وكان يتنفس، بعد ساعة تم نقله إلى المستشفى، تعرض إلى ضرب شديد لا يتحمله حيوان، سحلوه أثناء جره إلى سيارة الأمن، وقاموا بشتمه وإهانته، وكانت الدماء تسيل منه.. مات نزار بنات الناشط الفلسطيني البالغ 43 سنة من العمر بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة وتحت التعذيب على وقع "العتلات الحديدية"! نزار ليس الأول ولن يكون الأخير، فقد سبقه العشرات ممن دخلوا السجون الفلسطينية وخرجوا منها إلى القبر، من محمد البرغوثي (2008) إلى محمد الحاج (2009) إلى جميل شقورة (2009) وهيثم عمر (2009) وجميل عساف وآخرين، فما الجريمة التي ارتكبها واستحق عليها هذا العقاب؟ نزار قال كلاماً قاسياً بحق "القيادة الحاكمة" عرّاهم في عقر دارهم، ذهب إلى المنطقة المحرمة، تعدى الخطوط الحمراء ووصفهم "بالمرتزقة" والمتاجرة بكل شيء حتى "بسلاح الثورة"، فجريمته أنه تجرأ على رموز القيادة ووصفهم بأنهم "مجموعة..."، وعندهم أن "الحرامي الشبعان" أفضل من "الحرامي الجوعان"، نزار دفع ثمن معارضته للقادة وهو ثمن قد يدفعه أي شخص يمكن أن يشكل أداة ضغط من الصعب أن يتحملوها.
نزار ليس حالة استثنائية بل يوجد مثله الكثيرون داخل فلسطين وفي المحيط العربي، فحالة السلطة الفلسطينية لا تختلف عن غيرها من حالات السلطة المستبدة، فالاغتيالات السياسية جزء من ثقافة هذه الأنظمة التي مارستها مع خصومها السياسيين، ربما كانت قصة ناجي العلي (حنظلة) مع جماعة أبوعمار واحدة من القصص "السوداء" في تاريخ المنظمة... وقف يوماً في قاعة التحرير بجريدة "القبس" في الثمانينيات موجها انتقاده إلى "أبوأياد" الذي استضافه في حينها رئيس التحرير الأستاذ محمد جاسم الصقر، وقال تستطيع أنت أو جماعتك أن تسكتوا أي معارض و"تطخوه" في رأسه، لكنكم ستكونون أكبر الخاسرين على المدى الطويل، شعبنا يريد المكاشفة ولا تجعلوه يفقد الثقة بكم. لم تكن تلك الوقفة سبباً في اغتياله، بل رسومات كاريكاتيرية تنتقد سلوك القيادة، من رشيدة مهران إلى التفريط "بحقوق الشعب" والمساومة عليها.. ناجي العلي لم يمت بل بقي حياً برسوماته التي ما زالت إلى اليوم حاضرة وبقوة. السلطة الفلسطينية في النهاية نتاج فكر مخابراتي وعسكري، بنت مجدها على حمل السلاح من أجل تحرير الأرض المغتصبة، لكنها لم تلتفت إلى بناء الإنسان الفلسطيني وسط بيئة ديمقراطية، فحركة "فتح" على سبيل المثال يحكمها فكر أيديولوجي قائم على ثقافة العسكر لم يمنحوا لأنفسهم ولغيرهم فرصة الممارسة الديموقراطية وتقبل الرأي الآخر في تاريخهم النضالي. ما يخشاه "الصامتون" وغالبية الشعب الفلسطيني أن تكون الخسارة أفدح من التخلص من صاحب رأي، فالسلطة تخوض معركة استرداد الأرض والسيادة لكنها في سبيل ذلك تمارس أبشع أنواع الاستبداد، الإنسان الفلسطيني يتوق إلى التعبير عن رأيه بحرية بعدما فقد الأرض والسيادة، فلنا أن نتخيل ما هو تأثير نزار على الرأي العام الفلسطيني حتى يتم سحله وقتله! وأين هي المصلحة الوطنية بالتخلص من المعارضين بالاغتيال؟ فالسلطة الفلسطينية وضعت تحت الاختبار على أمل الوصول إلى الدولة الموعودة، فهل سقطت بالاختبار أم تعثرت خطواتها؟ ومنذ دخولها مقاطعة رام الله وبالتبعية قطاع غزة، والصراع بين الحمساويين والفتحاويين لم يتوقف تارة بالسلاح وأخرى بالانفصال كل مقاطعة تدار بعقلية "أنا أو لا أحد" استئثار بالسلطة والموارد وفرض الهيمنة دون أن تحظى فكرة "بناء دولة ديموقراطية" تضم مؤسسات مستقلة، بشيء من الجدية، بقيت مجرد ديكورات على الورق.