منذ عمله سفيرا للكويت في الخارج وفي أزمة "الغزو المشؤومة" عام 1990، وجد الدبلوماسي د. حمد محمد بورحمة نفسه أمام إضاءات وعلامات فارقة ورموز من المحترفين الذين التقاهم، وهم قادة الدول أو من يليهم من نواب ووزراء بحكم طبيعة عمله الذي امتد نحو ثلاثين عاماً.

من هنا جاءت فكرة الكتاب الصادر حديثاً تحت عنوان "محطات ولقاءات مع القادة رؤساء الدول الصديقة"، لينقل تجربته بتعريف القارئ، كما الدبلوماسي، على "القواعد والأساليب الخاصة من دولة إلى أخرى، وما قد يتعرّض له من مواقف متوقعة أو حتى طريفة ولطيفة في بعض الحالات.

Ad

لم تكن مشاركاته السياسية والدبلوماسية هي الهدف من الكتاب، بل إعطاء صورة حية وواقعية عن حجم ومكانة دولة الكويت لدى قادة الدول الذين يقيمون علاقات دبلوماسية معها.

يسرد بورحمة بأسلوب، شائق رحلته في عالم الدبلوماسية منذ أن التحق بوزارة الخارجية عام 1988 وعمل بدرجة ملحق دبلوماسي بإدارة الوطن العربي لفترة سنتين، إلى أن تقرر تكليفه بالعمل بسفارة بلاده لدى الجزائر في يوليو 1990، مستذكرا قول السفير عبدالحميد البعيجان له: "أمامك رحلة طويلة"، وكان يعني ما يقوله من واقع خبرته الممتدة.

أول مواجهة

وقع الغزو يوم كان يهم بترتيب أوراقه وتجهيز نفسه للسفر، وفي خضمّ هذا الحدث الجلل كان التحدي الذي واجهه بكيفية الوصول إلى الجزائر، لكنّه حقق ما أراده في شهر ديسمبر 1990، ليتزامن عمله الدبلوماسي مع مرحلة الغزو.

كان السؤال الملحّ عليه هو كيف يجب تحصين الوطن من المخاطر الخارجية على اختلاف مصادرها وطبيعتها؟ وهو ما ترجمه في حياته العملية إلى واقع، مبدياً حرصه على نقل تلك التجربة بكل ما فيها من آلام وآمال.

لقاءات 13 رئيساً وملكاً

في مستهل الكتاب، خصّ سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد وسمو الأمير الرحل الشيخ صباح الأحمد بصفحات تحدث بها عن دورهما والمواقف التي كان شاهداً عليها من نافذة سياسة الكويت الخارجية.

تضمن الكتاب فصلين؛ الأول لقاءات مع رؤساء "دول صديقة"، وعددهم 13 رئيساً وملكاً، يبدأ بملك ماليزيا السلطان عبدالله شاه، ورئيس جمهورية هنغاريا د. يانوش آدر، ورئيس السنغال عبدالله واد، ورئيس السنغال ماكي سال، ورئيسة ليبيريا الين جونسون سيرليف، ورئيس سيراليون آرنست باي كوروما، ورئيس غامبيا يحيى غامي، ورئيس جمهورية الرأس الأخضر بيدروا بيرسي وملك المغرب محمد السادس، ورئيس اليونان كوستانتينوس بولوس، ورئيسي الجزائر محمد بوضياف وعبدالعزيز بوتفليقة، ورئيس البرتغال ماريو سواريز.

قيمة مضافة

عند التطرق إلى كل رئيس أو ملك يستعرض تاريخ البلد السياسي وتاريخ العلاقات الدبلوماسية مع الكويت، حيث يتعرّف القارئ إلى طبيعة هذه العلاقة ومستواها، ثم يعرج على اللقاءات التي جمعته به، ويتوقف عند محطات أو لحظات معيّنة ليعكس هذه الشخصية ومدى تقديرها وارتباطها بالكويت، إضافة إلى مجموعة من الصور التي تجمع قيادات البلدين وتجمعه كدبلوماسي معهم.

الحقيقة أن الدبلوماسي القدير حمد بورحمة أعطى قيمة مضافة للعمل، وبخلاف الإضاءة على الشخصية قدّم استعراضاً مفيداً مدعوماً بحقائق عن علاقة البلدين والتطورات السياسية التي حصلت من هذه الدولة وبما يشبه المطالعة التاريخية.

خبرة أكاديمية وبحثية

المحطات التي شغلها السفير بورحمة غالبيتها كانت في القارة الإفريقية وفي شمالها بدءاً من المغرب ثم الجزائر مروراً بالسنغال والرأس الأخضر وليبيريا وسيراليون وغامبيا، وأخيراً اليونان وهنغاريا، وهما خارج تلك القارة.

قراءة ممتعة تجعلك على مسافة قريبة جداً من أحوال هذا البلد أو ذاك من واقع رؤية دبلوماسي كويتي زائر لها، إضافة إلى خبرته الأكاديمية التي يتمتع بها كأستاذ في العلاقات الدولية، ولديه عدة مؤلفات نذكر منها: "الأنهار الكبرى في النظام العالمي"، و"المختار من كتاب الماء في الفكر الإسلامي والأدب العربي"، و"الدبلوماسية في عصر العولمة".

وضع "المشاهد والشواهد" في إطار التعرّف عليها من خلال العلاقات المميزة للكويت مع الدول الصديقة، وذلك في سياق الرصد والتوثيق لجانب من الأحداث والمناسبات.

جاء الفصل الثاني المعنون تحت اسم "لقاءات عابرة"، ليضم رؤساء وشخصيات سياسية كانت على التوالي محمد سياد بري (رئيس الصومال) وعمر البشير (رئيس السودان) وعدلي منصور (رئيس مصر المؤقت)، وعصمت عبدالمجيد (الأمين العام لجامعة الدول العربية)، وإحسان أوغلو (الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي)، وكوفير (رئيس البرلمان الهنغاري) ومحمد عارف (رئيس البرلمان الماليزي)، وإبراهيم يسري (الدبلوماسي المصري)، وميشال إده (وزير لبناني).

اختار عنوان "لقاءات عابرة" مع تلك الشخصيات للإيحاء للقارئ بأنها لم تكن مرتّبة مسبقاً أو وفق بروتوكولات أو مناسبات رسمية، لكن ما يستوقفك في هذا الفصل أن الكاتب قام بعملية رصد وتحليل سياسي عن الشخصية وما يحيط بها من واقع قراءته وإلمامه بشؤون البلد الذي يتحدّث عنه، وزاد على ذلك بأن استحضر عدداً من الأبحاث والدراسات ذات الشأن والتي تخدم فكرة اللقاء.

ويبدو أن حسّه الأكاديمي طغى على كتاباته من حيث الحرص على إيراده لمصادر البحث والسيرة الذاتية للشخصية التي ربما يجهلها القارئ.

وأورد في نهاية الكتاب ملحقين؛ الأول عن قرارات مجلس الأمن بشأن الغزو والحدود والتعويض، والثاني الاتفاقيات الثنائية الموقّعة بين الكويت و"الدول الصديقة"، ثم قائمة المراجع ونبذة عن تاريخ حياته.

حمزة عليان