روعة سنبل: الكتابة للطفل فعل منهِك أمارسه بحذر
«لا أشغل نفسي بتوجيه الرسائل للقارئ وما يعنيني الوعي والإحساس»
● نيلكم جائزتين في أقل من شهر فيه احتفاء، وإضاءة للإبداع السوري، ما يضعكم أمام تحدّ جديد، فماذا تقولين؟ وكيف أعددت نفسك لما يليه؟
- بالنسبة لجائزة الهيئة العربية للمسرح، فأنا سعيدة بهذا الإنجاز الذي يعني لي الكثير بالطبع، وشرف لي أن أكون سبباً ليأتي اسم سورية في الصدارة كما يليق بها، وهي مناسبة لأشير إلى فرحتنا جميعاً بحجم الحضور السوري اللافت في قائمتَي العشرين، أعني قائمة النص الموجه للكبار، والنص الموجه للأطفال، وفرصة أيضاً لأبارك لجميع الواصلين للقائمتين.أما جائزة ابن المقرب، فلها حميمية خاصة لأنها جاءت من المملكة العربية السعودية، البلاد التي قضيت فيها سنوات طفولتي الأولى، وبالنسبة للفوز فلا أعتبر الموضوع تحدياً، ولا يتطلب الأمر أن أعد نفسي لما سيليه، فلديّ مشروع كتابي واضح المعالم بالنسبة لي، وأنا ماضية به بمواظَبةٍ وصبرٍ معاً، سواء شاءت الظروف أن أحرز جائزة ما، أو لم تشأ، ومشروعي قصصي بالمقام الأول، ولا أنكر أن الكتابة للمسرح قد سحبتني في العامين الأخيرين، وتركيزي حتى نهاية هذا العام سيعود إلى القصة القصيرة .
● هل الحراك "الجوائزي"– إن جاز التعبير– في مصلحة الكتابة؟
-الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، من جهة أولى: الجوائز بأغلبها ساهمت في تنميط الكتابة، وترسيخ مفاهيم معينة على صعيد الشكل أو الموضوعات، ولعل هذا الأمر ترك أثراً كبيراً يمكن ملاحظته تحديداً على الرواية العربية، يُسبغ الكثيرون على النصوص التي تحرز الجوائز صفة القدسية، وكأنها يجب أن تكون أمثلة تحتذى، وهكذا يدور الجميع في فلك متقارب.ومن جهة ثانية لا نستطيع أن ننكر أن حالة التنافس هي حافز جميل، يشحذ الإبداع ويصب في النهاية في مصلحة الكتابة.● ماذا عن الرسالة التي أردت أن توجهيها للقارئ في نصك المسرحي "نقيق"؟
- لا أشغل نفسي كثيراً بتوجيه الرسائل إلى القرّاء، الكتابة بوعي وإحساس معاً هي الأمر الذي يعنيني في المقام الأول، يعنيني أيضاً أن أقدم حكاية جميلة، وشخصيات منحوتة بتأنٍ لتبقى في البال، ومن شاء أن يعثر على رسالة فلن أصادر حقه بالتأكيد.، "نقيق" نص في المقام الأول عن الخوف وعن الخسارات، يحكي عن الأمومة المعطوبة، والأنوثة المؤجلة، ويتناول مسائل أخرى، منها ثنائية الضحية والجلاد، وكذلك الذاكرة وصراعاتنا معها، حين نخسرها كرهاً أحياناً، وطوعاً أحياناً أخرى كي نتخفف من عبء ما نحمله، (كل حكاية قد تكون حكايتنا) فالحياة بارعة في تبديل الأدوار بيننا وبشكل مفاجئ أحياناً، الحرب حاضرة، وهي التي حددت المنعطفات الكبيرة في تواريخ شخصيات النص.● لماذا قررت إهداء جائزة "نقيق" لروح الشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين؟
- أهديت النص لروح رياض الصالح الحسين، لأن قصيدته "رقصة تانغو تحت سقف ضيق" حاضرة في النص، ليس حضورها عابراً أو مجانيّاً، بل هي موظفة ضمن حكاية النص، كما أهديتُ النص أيضاً للمرأة في هذه القصيدة، لأن المرأتين في نصي تشبهانها، إن كانت هي ترقص تحت سقف ضيق، فالمرأتان في النص تعيشان حياتهما كاملة تحت سقف ضيق أيضاً.● منحت المرأة العربية العديد من المناصب، ورغم ذلك برأيك هل لاتزال المرأة العربية تحيا "تحت سقف ضيق"؟
- دعني أشرح أولاً أنّ ظروفاً كثيرة، ومعقدة تكرست عبر سنوات جعلت كثيرين منا - كبشر عموماً- يعيشون تحت سقوف ضيقة، بل وتحت سماوات واطئة أيضاً، ولا يتعلق الأمر هنا بالجنس، وكإجابة عن سؤالك، حققت المرأة العربية بعض الإنجازات، لكن ما زال ينقصها الكثير، والنسبة الأكبر من النساء ما زلن يعشن في صناديق خانقة.● في مجموعتك القصصية "صياد الألسنة" التي فازت بجائزة الشّارقة للإبداع العربي2017. كيف استطعت من خلالها معالجة قضايا الواقع؟
- معظم قصص هذه المجموعة مكتوبة سابقاً، في السنوات بين عامي 2011 و2015، كانت الحرب حينها قريبة، نسمع أصواتها بوضوح، وفي الليل حين كانت الحرب تستيقظ مجنونة، كنا نقضي ليلنا قرب باب المنزل بعيداً عن النوافذ، مع حقيبة مهيأة فيها الفوط والحليب للطفلتين، ووثائقنا الرسمية، في هذه الظروف كنت أكتب "لأسلي أرقي"، أدرت ظهري لكل شيء، وأغرقت نفسي في عوالم أخرى، لم أكتب قصة واحدة عن الحرب، ولم تكن قصصي تشبه تفاصيل الواقع الذي أعيشه، كنت أريد فقط أن أنسى، وأن أهرب إلى مكان أرحب، ولهذا فقد جاءت قصص مجموعتي الأولى فانتازية متخيلة.● بين كتابة القصة القصيرة، والرواية، والمسرح، "أنت صيدلانية متميزة" ... مابين الإبداع والمهنة أين تجد روعة سنبل نفسها؟
- أحب مهنة الصيدلة جداً، لكن، في سلم أولوياتي تأتي الكتابة الآن في المقام الأول، انشغلت عنها كثيراً من قبل، وحان الوقت لأعطيها وتعطيني، لكنني أقول دوماً لأصدقائي أنني إن كتب الله لي عمراً، فسأؤسس صيدلية خاصة بي، وإلى جانب رفوف الأدوية سأضع مكتبة صغيرة، وماكينة قهوة، وبعض النباتات اللطيفة، وسأقضي شيخوختي هناك، أصرف الأدوية وأستمع للناس وأقرأ وأكتب.● بالحديث عن أهم الشخصيات التى كان لها الأثرالأكبر فى تكوينكم الإبداعي والثقافي ... ماذا تقولين؟
- هناك شخصيات كثيرة شكلتني وأثرت في تكوين تجربتي، لعلها أكثر من أن أذكرها، لكنني أجيب دوماً عن هذا السؤال إجابة واحدة، الشخصية الأهم هي القاص السوري إبراهيم صموئيل أطال الله في عمره، حين قرأت مجموعاته القصصية الثلاث عام 2010، أردتُ أن أصبح قاصة، شعرتُ أن هذا الرجل يسير وحيداً وبيده قنديل، حلمت أن أسير خلفه وأن أقتبس شيئاً من نور، (اكتبي فقط من روحك) هذه وصيته دوماً، وأحاول ألا أخون هذه الوصية.● الكتابة للأطفال مسؤولية تتطلب الكثير من الدقة والمعرفة للولوج إلى عالم الطفل... ما المعايير التي تراعينها في هذا النمط من الكتابة؟
- الكتابة للطفل فعل منهِك بالنسبة لي، أمارسه بحذر شديد وتهيب، خضتُ بعض التجارب من أجل طفلتَيّ، كي أسرقهما من سطوة الهواتف الذكية وأورطهما معي، حين أكتب شيئاً للأطفال يكون الأمر أشبه بورشة جماعية لنا معاً، أفرض على نفسي معايير صارمة في الكتابة للطفل، تتعلق بالتأني في انتقاء اللغة، والحرص على الابتكار في المعالجة، أتجنب المباشرة تماماً، وأختار الخيال دوماً، ومعياري الأهم يأتي في النهاية، حين أقرأ القصة بصيغتها شبه الأخيرة للطفلتين، معياري هو انصاتهما لي بانتباه، مع ابتسامة واسعة، أو التماعة في العينين.● ما مشاريعك المستقبلية في حقل الكتابة؟
- أتفرغ هذا العام لمشروعي القصصي من جديد، لدي مجموعة قصصية أعمل عليها منذ منتصف العام الماضي، وأعتقد أنها ستكون جاهزة في مطلع الربع الأخير من هذا العام، أو في مطلع العام القادم.