ترتسم ملامح سباق بين دول إسلامية على ملء الفراغ، الذي سيتركه انسحاب القوات الأميركية والأطلسية من أفغانستان، وبين تركيا.

ورغم أن الدور التركي الجديد في أفغانستان، سيشكّل لأنقرة ميداناً وشيكاً لصراع السيطرة والنفوذ، فإنه سيضعها في المقابل في مواجهة تحديات كبيرة من "طالبان" إلى إيران وربما إلى حد ما مع باكستان.

Ad

وكانت الولايات المتحدة، التي ستسكمل انسحابها من افغانستان خلال أسابيع، اتفقت مع تركيا على توليها مسؤوليات أمنية في العاصمة الأفغانية لاسيما تأمين مطار كابول، المنشأة الحيوية الاستراتيجية.

وينظر الأتراك إلى هذه المهمة على أنها فرصة لهم، إذ إنها قد تساهم في تخفيف حدة التوتر مع واشنطن، وتمثل لهم موطئ نفود في آسيا الوسطى ومكاسب أخرى.

وذكرت تقارير إعلامية، أن الترويكا الباكستانية ـــ الإيرانية ـــ الأفغانية سيكون لها اليد العليا في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، بحكم الجغرافيا وتركيا بحكم الوجود العسكري.

ورغم الفرص المتاحة للأتراك، فهناك تحديات كبيرة، ليس أقلها إيران، التي وإن لم تعلق على الخطوة التركية في أفغانستان حتى الآن، فذلك لا يعني أنها ترحّب بالأمر، فهي تنظر بقلق لوجود تركيا شرق حدودها، وفق مراقبين.

وإيران لن تقف مكتوفة الأيدي في أفغانستان، فالفراغ الذي يتركه الأميركيون يشكل فرصة وتحدياً في آن، وستسعى لحجز حصة لها هناك، حتى لا تتحول البلاد إلى مصدر تهديد لها، وهذا ما قد يقود إلى تصادم مع الأتراك.

وبحسب موقع "Eurasian Times"، فإن المصلحة الإيرانية القصوى في أفغانستان هي استبدال الوجود الأميركي المقلق بموطئ نفود لها هناك.

وكان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قال في وقت سابق إن "الفراغ وصفة لحرب جديدة"، ما يعني أن هناك مزيداً من اللاجئين الأفغان في إيران، وهو ما لا تقبل به الأخيرة.

يضاف إلى ذلك، أن "طالبان" ترفض وجود أي جيوش أجنبية في أفغانستان، معتبرة أن "القوات التركية قوات احتلال"، وهذا ما قد يعرض الأتراك لهجمات من مسلحي "طالبان"، ما يعني الفوضى وعدم الاستقرار.

ورغم ذلك يقول دبلوماسيون أتراك سابقون، إنه "بوسع أنقرة تفادي هذه الهجمات عبر الاستعانة ببعض الحلفاء مثل قطر".

وكتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أن "تركيا وباكستان وإيران تستعد لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، لكن سيتعين على هذه الدول إعداد العدة لـ"طالبان" وعدم الاستقرار السياسي.

وبدأت علامات عدم الاستقرار في أفغانستان، مع استيلاء "طالبان" على مزيد من المناطق في البلاد، بعد معارك مع القوات الحكومية.

مواجهة مع باكستان

والأمر لا يتوقف هنا فحسب، إذ إن دخول تركيا في مواجهة مع "طالبان" قد يؤدي إلى مواجهة أخرى مع باكستان، التي اتهمت مراراً بدعم "طالبان".

وذكرت "جيروزاليم بوست"، أن "العلاقة بين تركيا وباكستان يمكن أن تؤدي إلى تقسيم أفغانستان أو تسهيل سيطرة طالبان على جزء من البلاد، كحل من الحلول لتفادي النزاع المفتوح". وكانت تركيا اشترطت مشاركة باكستان والمجر معها في حال قررت البقاء في كابول.

اجتماع ثلاثي

في غضون ذلك، أبدت أفغانستان موافقة مبدئية على عقد اجتماع ثلاثي مع إيران وباكستان حول الدعم الإقليمي لعملية السلام، وسط تعثر المفاوضات بين الحكومة وحركة "طالبان".

وأكدت وزارة الخارجية الأفغانية، أن الوزير محمد حنيف أتمر التقى محمد إبراهيم طاهريان، الممثل الخاص لوزير خارجية إيران، وأطلعه على نتائج زيارته الأخيرة لباكستان، مشيرة إلى "أهمية التوافق الإقليمي وتعزيز العلاقات بين الدول الثلاث"، مقترحة "عقد اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية أفغانستان وإيران وباكستان".

من جهته، شدّد أتمر على "أهمية زيادة تعزيز العلاقات الودّية بين البلدين، وضرورة زيادة تعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية والمتعددة الطرف"، مبدياً "موافقة كابول على خطة الاجتماع الثلاثي من حيث المبدأ"، ووصف عقد هذا الاجتماع بأنه "مفيد في تعزيز الإجماع الإقليمي على إنجاح عملية السلام".

واتسمت العلاقات بين أفغانستان وباكستان بالتوتر، حيث تتهم كابول إسلام أباد بإيواء قادة حركة "طالبان"، فيما تتهم باكستان السلطات الأفغانية بالسماح لمسلحين مناهضين للحكومة بشن هجمات ضد باكستان من أراضي أفغانستان.

وتؤكد باكستان دعمها لخفض حدة العنف في أفغانستان، ورغبتها في فتح صفحة جديدة من العلاقات مع كابول، ودعم مسار عملية السلام بين الحكومة الأفغانية و"طالبان".

ودعا الرئيس الإيراني المنتهية ولايته، حسن روحاني، في أبريل الماضي، إلى ضرورة لعب بلاده وباكستان دوراً أكبر في إدارة عملية السلام في أفغانستان، "لأنهما الجارتان الأهم والأكثر فاعلية لأفغانستان" على حد وصفه.

وبعد اجتماعه بالرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي زار واشنطن لمناقشة قضية الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أصدر الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بياناً حذر فيه من عودة تنظيم "القاعدة" وتدمير المكاسب التي حققتها أميركا في ذلك البلد، داعياً الرئيس جو بايدن إلى التراجع عن الانسحاب.

وقال ماكونيل، إن "المؤشرات المتزايدة على أن هذا الانهيار قد يأتي بعد وقت قصير من اكتمال الانسحاب الأميركي هي مأساوية بقدر ما يمكن تجنبها. وفي أعقاب عودة طالبان، تستعد القاعدة بالفعل لعودة طموحة خاصة بها، والتي حذر وزير دفاع الرئيس نفسه من أنها قد تؤدي إلى تهديدات مباشرة للوطن الأميركي في أقل من عامين".