حدد الدستور الكويتي أدوات النائب الرقابية، ومن ضمنها أداة الاستجواب، وترجمت اللائحة الداخلية في فرع كامل، آلية تقديمه، وطريقة مناقشته، وصولاً إلى نتائجه، التي تصل إلى مرحلة طرح الثقة، إذا كان المستجوب وزيراً، أو عدم التعاون إذا كان رئيساً للوزراء.

ورغم مرور نحو 60 عاماً على ميلاد الدستور، فإنه لم يغب عن أغلب الاستجوابات التي تم تقديمها، خصوصاً في الآونة الأخيرة، الجدل البيزنطي، «الحكومي- النيابي» حول مدى دستوريته، إذ يرفض النائب التشكيك، ولو بشبهة واحدة، في دستورية استجوابه، وفي المقابل يستعرض الوزراء المستجوَبون مثالب الاستجواب.

Ad

ما أشد الحاجة إلى الإجابة عن أسئلة مهمة، كمَنْ يحدد دستورية الاستجواب؟ هل النواب أم لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية أم المحكمة الدستورية؟ وهل يكون ذلك قبل صعود المنصة أم يصعد المستجوَب ويفند ويوضح ويشرح والحكم بعد ذلك للنواب؟ وهل على الوزير أن يصعد المنصة في استجواب غير دستوري؟ وما الضمانات المتاحة للوزير تحت ظل الدستور واللائحة؟ وهل يعد الوزير الذي لا يواجه استجوابه بصعود المنصة مقصراً حتى لو كان ما ورد فيه من اختصاص وزير آخر؟

كل هذه الأسئلة وغيرها كان محور حديث برنامج «سؤال وآراء» على منصة «الجريدة»، الذي استضاف كلاً من الوزيرين السابقين د. عادل الصبيح، وأحمد باقر، والخبير الدستوري د. محمد الفيلي، والنائب السابق خالد الشطي، فضلاً عن الخبير الدستوري د. خليفة الحميدة.

ورغم اختلاف الضيوف، أثناء الحوار الذي أداره الزميل يوسف العبدالله، حول تفسير دستورية الاستجوابات، فإنهم اتفقوا على ضرورة عدم إساءة استخدام الأدوات الرقابية وتفريغها من جوهرها، وعلى رأسها الاستجواب، كي لا تفقد قوتها وقيمتها وتضيع هيبتها. وفيما يلي نص الحوار:

ما حقوق أداة الاستجواب وضوابطها؟

الوزير السابق د. عادل الصبيح:

أداة الاستجواب تعتبر من أهم أدوات الرقابة البرلمانية في الدستور الكويتي، وللأسف الشديد فإنها عبر السنوات تعرضت لسوء استخدام طال الاستجوابات السابقة، الأمر الذي ضيع الكثير من فاعليتها ونظرة الناس لها وقدرتها على إحداث التغيير والرقابة.

الوزير السابق أحمد باقر:

الاستجواب يجب أن يكون متوافقاً مع الدستور واللائحة الداخلية، وهذا الذي أقسم عليه النواب، فالاستجواب كما جاء في المادة 99 من الدستور يقدم للوزراء في الأمور الداخلة في اختصاصاتهم وهذا أول شرط، ولا يجوز أن يقدم إلى رئيس الوزراء فور تعيينه في منصبه من جانب سمو الأمير، بل يُقدَّم على عمل رئيس الوزراء ووزرائه في الحكومة، وهذا ما بينته المادة 99 من الدستور والمادة 13 من اللائحة الداخلية، فلا يجوز أن يُستجوَب الوزير على صلاحياته في الدستور، على سبيل المثال، التصويت في انتخاب رئيس مجلس الأمة أو التصويت على انتخاب أعضاء اللجان البرلمانية، فهذا حق دستوري لرئيس الوزراء والوزراء، ولهم أن يصوتوا لمَن شاءوا، ولا يصح تقديم طرح الثقة بوزير لانتخابه شخصاً ما.

النائب السابق خالد الشطي:

الاستجواب أداة رقابية فاعلة، وهي جوهر العمل البرلماني في الرقابة على الحكومة، وأما مسألة دستوريته من عدمها، فمن الناحية الواقعية العملية الفعلية القانونية أنه ليس هناك استجواب دستوري أو غير دستوري، بل هو أداة دستورية.

الخبير الدستوري د. خليفة الحميدة:

الاستجواب سلطة مقيدة كأي سلطة من سلطات الدولة، فلا توجد سلطة مطلقة، بل توجد قيود من حيث الإجراءات والشكل والموضوع.

معيار دستورية المساءلة البرلمانية... بيد مَن؟

باقر:

إذا كان هناك خلاف على مدى دستورية الاستجواب فيمكن اللجوء الى اللجنة التشريعية البرلمانية، والذهاب الى اللجنة أمر جوازي، أما الحكم في النهاية فهو لمجلس الأمة، وكذلك يمكن الاستعانة بالأساتذة الدستوريين، وإذا احتدم الخلاف بين مجلس الامة والحكومة فيمكن الذهاب الى المحكمة الدستورية، وهذا هو الإجراء الرسمي الموجود في الدستور.

الفيلي:

المحكمة الدستورية تفحص دستورية القوانين واللائحة، والاستجواب ليس قانوناً ولا لائحة، ولكن الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة حدّدا شروطاً في الاستجواب، إما أن تحترم أو لا تحترم.

في فترة كنا نذهب إلى المحكمة الدستورية، أو الحكومة تذهب للمحكمة بطلب تفسير النص الدستوري، وتفسير النص الدستوري لا يعني إنزاله على الواقعة. ومن الحلول التي يمكن الأخذ بها في هذا الصدد إنشاء مجلس الأمة لجنةً برلمانية لفحص الاستجواب، من حيث استجابته لشروط الدستور واللائحة، وهذا العمل لم يستقر، لأن الاستجواب تارة يحال إلى اللجنة التشريعية، وتارة يناقشه المجلس، وفي كل الأحوال نحن أمام غياب لنص ينظم مسألة الاستجواب مع بديهيتها، لحاجتها إلى تنظيم.

الشطي:

من يحدد مدى دستورية محاور الاستجواب هم أعضاء مجلس الأمة، والمحكمة الدستورية لا تتدخل الا في حال طلب منها ذلك، كطلب تفسير، وحتى اللجنة التشريعية البرلمانية عندما يعرض عليها موضوع دستورية الاستجواب تعطي رأياً استشارياً لأعضاء المجلس، وبعد ذلك أعضاء المجلس هم من يحددون.

الحميدة:

اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لم تعامل الاستجوابات كما عاملت السؤال البرلماني، والموضوع يجب أن يكون في يد مجلس الأمة تحديدا، إلا أن مشكلتنا مع مجلس الأمة أنه يفسح المجال أمام العرف الدستوري، وبالتالي يكون هناك إجراءات محددة مع كل استجواب تثار فيه شبهة عدم الدستورية.

وفي النهاية يكون الأمر بتصويت مجلس الأمة حول مدى دستورية الاستجواب، وهو أفضل من أن يحال الى اللجنة التشريعية البرلمانية، أو الى المحكمة الدستورية، التي هي أصلا غير مختصة.

هل تؤيد صعود الوزير المنصة في الاستجوابات غير الدستورية؟

الصبيح:

الدستور واللائحة الداخلية لم يذكرا كيفية التعامل مع الاستجوابات، في حال مخالفتها للدستور، لكن حصل في التاريخ البرلماني عدة اجتهادات من هذا القبيل، وإن كنت أرى أن الأصل هو صعود الوزير المستجوب للمنصة ويدفع بعدم دستورية البنود الواردة في الاستجواب.

باقر:

لا يجوز لمجلس الامة أن يمضي في أي إجراء مخالف للدستور كي لا تصبح العملية فوضى، وإن بعض الإخوة، ومنهم النائب السابق حسين القلاف، قال لي عندما قدم لي استجوابا: «اصعد الى منصة الاستجواب وقل إن الاستجواب غير دستوري»، الا انني رفضت الصعود على المنصة في استجواب غير دستوري، وهذا يعني أننا سمحنا بإجراءات تخالف الدستور.

الفيلي:

شخصياً كنت في مرحلة معينة أرى أن هذه مسألة أولية تعرض في بداية الاستجواب على مجلس الأمة، لكن المجلس، من الناحية العملية، يعتبر صعود المستجوب المنصة بداية للاستجواب، وبالتالي فإن بحث توافر أو عدم توافر الشروط الدستورية لم يعد مجديا في إبداء رأي بشأن صعود المنصة، لذلك أميل اليوم إلى أن دستورية الاستجواب من عدمه، مسألة أولية تبحث قبله.

الشطي:

الأصل في الاستجوابات غير الدستورية أن يصعد الوزير إلى المنصة، أما الأنسب والواجب فهو أن يحرص العضو، الذي قدم الاستجواب، على أن تكون محاور استجوابه دستورية، فلا يجوز للوزير أن يقدم فروض الطاعة للنائب، ولكن الواجب على الوزير أن يقدم فروض الطاعة للدستور والقانون والعدالة، أما القول «ليصعد الوزير إلى منصة الاستجواب ويشرح عدم دستورية الاستجواب» فهذا أمر ينتهي فيه النقاش بمجرد صعود الوزير المنصة.

الحميدة:

لا يجوز أن يصعد رئيس الوزراء أو الوزير إلى منصة الاستجواب قبل إنهاء شبهة دستورية الاستجواب، لسبب بسيط هو أنه عندما تكون الأداة فيها شبهة مخالفة دستورية فقد تتحقق المخالفة، مما يجعل البطلان مصير هذه الاداة، وقولنا بالبطلان هو عدم ترتيب الأثر، ولذلك عندما نقول إن هذه الاداة باطلة فيجب ألا ترتب أثرا، فإذا أجبر الوزير المستجوب على الصعود الى منصة الاستجواب، مع وجود شبهة، فنحن أعملنا الاستجواب على الرغم من جود الشبهة الدستورية.

هل فقد الاستجواب هيبته؟

الصبيح:

التعسف في استخدام هذه المساءلة من ناحية شخصانية، أو بسبب عدم تمرير معاملة، أو أن يكون هناك موقف مسبق، وغيرها من هذه الأعمال، كل ذلك أدى إلى أن ينظر الناس إلى هذه الأداة بشكل يختلف عن السابق، لذا يجب أن يكون هناك جهاز يرفض الاستجواب غير الدستوري، والشخصاني كذلك.

باقر:

سبق أن قدم لي استجواب من النائب السابق حسين القلاف، وكان يتعلق بقضية معروضة على القضاء، وقال اغلب الإخوة القانونيين والوطنيين آنذاك إنه لا تجوز مساءلة وزير العدل على أمر منظور أمام القضاء، وأحيل الاستجواب بطلب من الأعضاء إلى اللجنة التشريعية، وجاء ردها بأنه استجواب غير دستوري، ويجب شطبه من جدول الأعمال.

الشطي:

عندما تطلب الحكومة تأجيل استجوابات رئيس الوزراء «المزمع تقديمها» سنة ونصف السنة أو سنتين، فبدون شك، هذا إجراء غير دستوري، ولكن هناك (من النواب) من جعل الحكومة تسلك هذا الإجراء غير الدستوري، لأن بعضهم قال إنه سيقدم في كل جلسة استجواباً، وهناك 10 نواب اتجهوا لتقديم كتاب عدم التعاون، وسوف تستغل هذا الأغلبية، وستتم الموافقة على أي استجواب «حتى ولو قلاص انكسر في المجلس».

الشطي: لننقذ الديموقراطية الكويتية

فيما يتعلق بعدم دستورية الاستجوابات، ضرب النائب السابق خالد الشطي مثالا عمليا بمجلس 2016، في الاستجواب الذي قدم إلى الوزيرة السابقة د. غدير أسيري، مبيناً أنه «كان استجوابا غير دستوري من الألف إلى الياء، وكانت الوزيرة تعلم أن المحاور غير دستورية، والحكومة تعلم، وأغلبية النواب يعلمون، لكن بمجرد صعودها إلى المنصة خضعت للإجراءات، وقدم طلب طرح الثقة، ووقعت ضحية لقبولها صعود المنصة.

ودعا الشطي إلى ضرورة إنقاذ الديموقراطية في الكويت، «فما يحصل اليوم يجب ان يتوقف، نواب يتقدمون باستجواب وزير، وبعد ذلك يأتون ويحتلون كراسي الوزراء في قاعة مجلس الأمة، كي لا يحضر الوزير المستجوب، ويحمونه من الاستجواب، فهذا عبث».

الحميدة: لا لخروج المساءلة عن المشروعية

شدد الحميدة على ضرورة عدم تجاوز الأدوات الدستورية حداً يخرجها عن إطار المشروعية، لأن هناك أدوات في مجلس الوزراء، مبيناً أنه يجب أن يسود فهم بأن الاستجواب أداة وإذا تمت إساءة استخدامها فستفقد قوتها.

56 استجواباً لوزراء شيوخ و71 لغيرهم

شهدت الحياة البرلمانية في الكويت تقديم 127 استجواباً، 56 منها قدمت إلى 21 وزيراً من الأسرة الحاكمة، في مقابل 71 استجواباً إلى 51 وزيرا من خارج الأسرة.

الفيلي يفتح باب تعديل اللائحة

في سياق رده على سؤال بشأن الحل بالنسبة للاستجوابات غير الدستورية، قال الخبير الفيلي: «لا أعلم لماذا لم ينظم أمر الاستجواب في اللائحة الداخلية، فهل هو سهو إنساني، أو لعل من وضع تلك اللائحة أراد ان نقيس على السؤال البرلماني، لأنه نظم آلياته».

وأضاف: «اليوم مع الواقع المتزايد لإشكالات الاستجوابات أظن أن من الواقعية تعديل اللائحة لوضع ضوابط واضحة تحكم عملية قبول الاستجواب كي لا ندخل في الذهاب والإياب والخلاف، فاليوم عندنا إشكالية، وحتى النصوص التي وضعت للمعالجة مثل المادة 135 من اللائحة، نحن أمام إشكالية الاعتراف بوجود نص ورفض تطبيقه، وإذا كان هناك توجه إلى رفض تطبيق النص فالأجدى تعديل النص».

علي الصنيدح